Wednesday, September 24, 2025

العيش بسلام بينما نعيش بحرب ، الجزء 2

في المنشور السابق، شاركت التشجيع الذي وجدته بسفر دانيال بينما نعيش في وقت الحرب المدمرة في الشرق الأوسط. على الرغم من أن دانيال كان مثّقل في الأمور التي كشفها الله له عن كمية دمار هائلة سوف تحصل، حتى أصبح مريض بالجسد، إلا أنه تقوى بالله وتمكن من مواصلة مسؤولياته اليومية. استطاع أن ينعم بالسلام بالرغم من معرفته بالمعاناة الهائلة، بفضل نعمة الله التي أعطته قوة التحمل.

ولكن ماذا يعني أن تكون بالحقيقة في سلام؟ خلال هذه السلسلة من الحروب الطويلة الممتدة لعقود من الزمن والتي طالت الأراضي المقدسة، نحن نصلي لسلام عادل وليس فقط للحرب أن تنتهي، بل لتنتهِ بطريقة تكون فيه الظروف مناسبة للحرية وتكافؤ الفرص والازدهار الإنساني لجميع شعوب هذه المنطقة. وبينما كنت أقرأ كتاب يبدو أنه لا يمت للموضوع بصلة بضعة أسابيع سابقة، لفت نظري بشكل عميق جملة عن السلام.

في كتاب الأمومة التبشيرية (Missional Motherhood)، تقول الكاتبة غلوريا فيرمان (والتي تعيش بالشرق الأوسط):

"بالزمن الحالي، عندما تسمع آذاننا كلمة السلام، نفكر بغياب الصراع، ولكن كلمة سلام بالعبرية تشير إلى وجود الكمال والشمولية" (1). يا له من مفهوم مدهش. وبالفعل، وخلال الأسابيع الماضية منذ أن قرأت تلك العبارة لأول مرة، لفت الله انتباهي إلى الفكرة ذاتها من مصادر متعددة أخرى، ليؤكد لي أنها أمر يجدر بي أن أوليه اهتمام خاص.

غلوريا فورمان مُحقّة؛ فنحن عادةً نفكّر في السلام باعتباره نقيض الحرب، أو ربما حالة من الهدوء والسكينة، فمثلاً نقول: "يا لها من ليلة هادئة وسالمة." لكن ماذا لو نظرنا إلى "نقيض الحرب" أو "حالة الهدوء" على أنها في الحقيقة حالة من الكمال والشمولية؟ إن الأمر يبدو منطقياً عندما نتوقف قليلًا للتفكير فيه. فهذه الحرب قد صنعت عكس الكمال تماماً. لقد أدت إلى دمار كامل في البيوت والأراضي والبنية التحتية والمجتمعات والعائلات والأجساد والعقول. وعندما نقول إننا نصلّي من أجل السلام، ألسنا في الحقيقة نصلّي من أجل أن يُستعاد كمال كل هذه الأمور؟

(وبالطبع، هناك أشياء أخذتها هذه الحرب ولا يمكن أن تعود إلينا في هذه الحياة، مثل إخوتنا وأخواتنا الأحبّاء في الإيمان. لكننا نثق أنه بينما تحطّمت أجسادهم الأرضية، فإن أرواحهم حيّة ومزدهرة مع الرب، ونصلّي أن تُشفى القلوب المكسورة لأولئك الذين بقوا، بنعمة الله).

وعلى صعيد أعمق، هناك إحساس بأن نقيض الكمال ليس مجرد نتيجة للحرب، بل هو الحالة السابقة التي نشأ منها هذا الصراع الدموي الذي دام عقوداً. هناك أولئك الذين يسعون إلى الرضا في امتلاك الأرض، وأولئك الذين يسعون إلى ملء فجوة الحزن الهائلة من خلال الانتقام، وأولئك الذين تدفعهم احتياجاتهم الجسدية والقيود المفروضة عليهم إلى اليأس والعنف، وأولئك الذين يجدون هويتهم في كراهية "الآخر". في كل حالة، سواء أدركوا ذلك أم لا، يحاول الناس ملء فراغ في حياتهم. يحاولون جعل أنفسهم كاملين، ولكن لأنهم لا يفهمون طبيعة حاجتهم ومصدر الحل، ينتهي بهم الأمر إلى خلق سلام أقل بدلاً من تحقيقه.

في أيام يهوذا القديمة، الله وبخ قادة المملكة الجنوبية من خلال النبي إرميا: ”مِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ. وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ، قَائِلِينَ: سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ" (إرميا 8: 10 - 11). قادة اليهود الدينيين نظروا إلى الكسر الذي بالشعب وتجاهلوه كأنه لا شيء. ادّعوا الكمال بينما لم يوجد. يا له من خطأ كبير اقترفوه. في الحقيقة الشعب عبّر عن جرحه بترك الرب إلههم: "وَصَارَ لِهذَا الشَّعْبِ قَلْبٌ عَاصٍ وَمُتَمَرِّدٌ. عَصَوْا وَمَضَوْا. (..) أَنَّهُ وُجِدَ فِي شَعْبِي أَشْرَارٌ يَرْصُدُونَ كَمُنْحَنٍ مِنَ الْقَانِصِينَ، يَنْصِبُونَ أَشْرَاكًا يُمْسِكُونَ النَّاسَ. مِثْلَ قَفَصٍ مَلآنٍ طُيُورًا هكَذَا بُيُوتُهُمْ مَلآنَةٌ مَكْرًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ عَظُمُوا وَاسْتَغْنَوْا سَمِنُوا. لَمَعُوا. أَيْضًا تَجَاوَزُوا فِي أُمُورِ الشَّرِّ. لَمْ يَقْضُوا فِي الدَّعْوَى، دَعْوَى الْيَتِيمِ. وَقَدْ نَجَحُوا. وَبِحَقِّ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَقْضُوا. أَفَلأَجْلِ هذِهِ لاَ أُعَاقِبُ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَلاَ تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟" (إرميا 5: 23، 26 - 28).

وقبل ذلك، أشار الرب لنفس الجرح في المملكة الشمالية لإسرائيل، من خلال النبي إشعياء: "أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ الزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلًا مُعْوَجَّةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَمًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا، وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُورًا فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ." (إشعياء 59: 7 - 9)

نحن نميل إلى الاعتقاد بأن العدالة يجب أن تسود حتى يسود السلام، ولكننا نرى من هذه الآيات أن العدالة والصلاح والنور غائبين عندما لا يكون السلام (أي الكمال) موجوداً. ولكن القدرة الأعظم للعدالة والحق موجودة بشخص واحد – شخص كامل. وهنا تكمن مشكلتنا. لأننا في الحقيقة عاجزون من دون المسيح. صحيح أننا نملك نعم كثيرة من الله مثل الحياة، الصحة، والقدرات، لكنها لا تكفي لنحقق الغاية من وجودنا، وهي أن نكون في علاقة صحيحة مع خالقنا ونمجّد اسمه في الأرض. هذا لا يحدث إلا إذا شُفيت جراحنا، واستبدلنا القلب القاسي بقلباً جديداً، وقبلنا المصالحة التي صارت ممكنة لنا من خلال حياة يسوع البارة، وموته على الصليب، وقيامته المنتصرة. بهذا تصبح خطايانا مغفورة وبر المسيح يمكن أن يُنسب إلينا.

وكما تكلم الروح القدس من خلال بولس: "أَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الملء وأن يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلًا الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ." (كولوسي 1: 19 - 20). 

يسوع هو من صالحنا مع الرب. وفيما يتعلق بموضوع السلام، نرى أن المسيح لم يحل المشكلة بيننا وبين الرب فقط، بل بمعنى أعمق استرجع حالة الكمال بعلاقتنا مع الرب. لم تعد علاقتنا مشوهة بالتمرد والكبرياء والبر الذاتي. لم نعد مفصولين عن خالقنا القدوس بسبب خطيتنا. يسوع استبدل خرقنا (ملابسنا) الملوثة بثياب النقاء (أنظر إشعياء 64: 6، إشعياء 61: 10، كورنثوس الثانية 5: 21)، يسوع أخذ قلب الحجر وأعطانا قلب من لحم (حزقيال 36: 26)، يسوع أحيانا من الموت لحياة أفضل (يوحنا 5: 24، 10: 10)

يسوع أيضاً استرجع كمال علاقتنا المشوهة مع بعضنا البعض أيضاً. كما قال الروح القدس من خلال بولس: لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلًا بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلًا الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ. (أفسس 2: 14 - 18).

بالتحديد نتكلم عن اليهود والأمم، يشرح بولس أن يسوع جعل من الممكن أن تُستعاد العلاقة المليئة بالكراهية بين هاتين الجماعتين بشكل كامل، بحيث لا يبقى فقط عدم عداوة، بل أيضاً لا يبقى انقسام. لم يعد هناك جماعتان منفصلتان، بل أصبحوا جسداً واحداً موحّداً، عائلة افتداها المسيح بدمه. وحده يسوع، بقوة الروح القدس، قادر أن يُحدث مثل هذا التغيير العميق لمجد الله الآب!

يجب علينا أن ندرك احتياجنا ونقبل الحل، لأنه إلى أن نقبل عطية السلام من الرب من خلال يسوع، سوف نظل نصنع ونعيش حروب. لكن عندما "يَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ" (كولوسي 3: 15) سوف نتوقف عن التصرف بدافع جراحنا وانكسارنا. وعندما نتمسك بالكمال الذي يمنحنا إياه، نتوقف عن محاولة كسب الممتلكات الأرضية لأنفسنا، ونتوقف عن ظلم من يقف في طريقنا، ونتوقف عن ردّ العنف ضد من يظلموننا. عندها سوف نسلك بالكمال مقدمين الغفران والرحمة للآخرين. عندها سوف نعيش بقوة الروح القدس – نعيش بسلام في وقت الحرب.

لا يمكنني أن أفكر بخاتمة أفضل من أن أترككم مع الصلاة التالية من تسالونيكي الثانية 3: 16 "وَرَبُّ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ السَّلاَمَ دَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. الرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ." آمين.

كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميس سلفيتي. تعديل من قبل حنين باشا.


This post was first published in 2024. To see the original English version, click here.

هذا المنشور تم نشره أولا في 2024. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.


Rose Creger Tankard :المصدر
.سمح بالنشر

المرجع:

Gloria Furman, Missional Motherhood: The Everyday Ministry of Motherhood in the Grand Plan of God (Wheaton, Ill.: Crossway, 2016), 117.


No comments:

Post a Comment