هناك ترنيمة معاصرة للمرنم مايكل سميث تتضمن الكلمات التالية: "حتى ما يقصد به العدو شراً، أنت تحوله لخيرنا. تحوله لخيرنا و لمجدك." هذه وجهة نظر شائعة جداً في الوسط المسيحي، ويعود أصلها إلى مقطعين من الكتاب المقدس: حياة يوسف في سفر التكوين ورسالة بولس الرسول إلى أهل رومية. الفكرة واضحة بما يكفي. عدونا الروحي يهاجمنا من كل جهة، لكن الله يأخذ حتى أكثر مخططات العدو الشيطانية ويجعلها تعمل لمصلحتنا. ليس فقط مهاجمات العدو، لكن "كل الأشياء" يتم استخدامها لعمل الخير لنا نحن، كما يشرح بولس، " الذين يحبون الله" و "الذين هم مدعوون حسب قصده" ( رومية 8: 28).
النية الشريرة مذكورة بشكل خاص في سفر التكوين في العهد القديم. لقد بيع يوسف عبداً عندما كان شاباً من قبل إخوته الغيورين. انتهى به الأمر في أرض مصر حيث أصبح خادماً محترماً قبل أن يدخل السجن بسبب تهمة تحرش جنسي باطلة. بينما كان في السجن، نال الاحترام بين المساجين والحراس، وبالنهاية تم إطلاق سراحه بعدما أظهرَ له الرب تفسير عدة أحلام، واحدة منها كانت لفرعون. في تحول دراماتيكي للأحداث، يوسف ارتفع مباشرة من السجن ليصبح ثاني رجل في كل أرض مصر وعليه مهمة الإشراف على تحضير الأمة خلال عدة سنوات وافرة بالطعام لعدة سنوات من المجاعة التي كانت على وشك أن تأتي قريباً.
المجاعة كانت منتشرة و شديدة حتى إن إخوة يوسف اضطروا أن يسافروا من أرض كنعان إلى مصر لشراء الطعام، وبالنهاية اكتشفوا ما أصبح عليه أخوهم الصغير. لقد عامل يوسف إخوته بلطف بالرغم من إثمهم نحوه، و جلب عائلته بأكملها بما فيهم أباه المتقدم في السن يعقوب. كل الأمور كانت جيدة لحد وفاة يعقوب. ثم بدأ إخوة يوسف يخافون من أن ينتقم يوسف منهم لبيعه للعبودية. و في جواب يوسف لإخوانه نرى مبدأ تحول الشر إلى الخير.
"فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا." (تكوين 50: 19 - 20). بكلمات أخرى، الرب استخدم المقصد الماكر لإخوة يوسف ليصنع بدل ذلك بركات عديدة. أليس رائعا ما يفعله الله بتحويل الشر إلى خير! لكن هل تعلم أن كلمات يوسف لا تنتهي بتلك الجملة؟ هنالك أكثر في الآية 20 من سفر التكوين والتي عادةً يتم التغاضي عنها.
"أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا." (تكوين 50: 20). هل أدركت ذلك؟ الخير الذي كان يشير إليه يوسف لم يكن الازدهار و التبجيل الذي استمتع بهما كونه الثاني بعد فرعون في إدارة مصر. لم تكن زوجته المصرية الجميلة أو أولاده الاثنان أو قدرته على التواجد مع أبيه في أيامه الأخيرة. بل كان خلاص مئات الآلاف من الناس الذين كانوا سيهلكون من المجاعة إن لم يكن يوسف في المنصب ليوفر لهم الطعام.
في الكثير من الأحيان نفكر بما يفعله الله بتحويل الشر إلى الخير وكأن له تطبيق محدود جداً في حياتنا. حتى عندما نتأمل في كلمات يوسف في سياقها، أعتقد أننا نميل إلى التركيز على الخير الذي جلبه الرب إلى حياة يوسف. بكلمات أخرى، نحن نتخيل أنه كان يقصد: "أنتم قصدتم إيذائي، لكن الله قصد أن يرفعني ويباركني بالكثير من الممتلكات والقوة. لقد قصدتم أن تبيعوني كعبد، لكن أنظروا أين أنا الآن!" لكن في الواقع، هذا ليس ما قاله يوسف، لم يقل أي شيء عن منصبه نهائياً.
بدلاً من ذلك، يوسف يشير إلى الخير الذي حدث لكثير من الناس الآخرين نتيجة المصيبة التي حصلت معه. بالنهاية، لم تكن رحلة يوسف متمحورة بشدة حوله. كانت متمحورة حول إنقاذ عدد غير محدود من الناس من الموت المبكر، بما فيهم الحفاظ على يهوذا، شقيقه، الذي من نسله جاء يسوع.
إذن، ماذا سيحصل لو توقفنا عن النظر بمحدودية شديدة للطرق التي نفكر بأن الله سوف يباركنا بها بشكل فردي من خلال الصعوبات التي تواجهنا في الحياة؟ بالتأكيد، الرب يستخدم التجارب حتى ننمو على صورة المسيح، وليباركنا حتى تكون النتيجة أننا نكون انعكاس لطبيعته، وأحياناً تكون هناك بركات جسدية أيضاً. لكن ماذا لو، في بعض الأحيان، الصعوبات التي في حياتنا كان القصد منها أولاً وقبل كل شيء مصدر بركة للآخرين؟
ماذا لو أن الرب يستخدم خسارة عملك كي ينقلك إلى مكان مختلف حيث ستقود شخص ما إلى معرفة يسوع؟ ماذا لو أن الرب يستخدم موت شخص في عائلتك كي يجلب مصالحة بين أقارب منفصلين؟ ماذا لو أن الرب يستخدم مرض لكي يقودك للتعمق في كلمته وكي يهيئك لتعليم الآخرين؟ ماذا لو أن الرب يستخدم ابتعادي الطويل عن خطيبي وتأجيل زواجنا كي نشجع آخرين حتى يكونوا أمناء في مواسم الانتظار؟
إنه من السهل أن نريد التمسك بأمل الحصول على بركات شخصية عندما نواجه التجارب، لكن أليس الأمر أكثر إذهالاً أن ندرك بأن الله يقدر أن يزيد تلك البركات التي ستنتج من ظروفنا الصعبة أضعافاً مضاعفة؟ حيث أنه يستطيع أن يأخذ ما كان مقصود به للشر ضدنا و تحويله لخيرنا وخير الآخرين؟
أشجعك في المرة القادمة عندما تجد نفسك في وسط ظرف غير مرغوب به، محبِط، أو مؤلِم بأن تحول نظرك إلى يسوع و تثق أنه قادر على جلب الجمال من الرماد – حتى لو أخذنا الأمر سنوات كي نراه، كما حصل مع يوسف. أنظر للأمر هكذا، حادثة بَيع يوسف للعبودية كانت مجرد نقطة زمنية واحدة التي أدت إلى سلسلة من الأحداث الهادفة لتحقيق خلاص لمئات الآلاف، ربما حتى ملايين من الناس بعد عقد من الزمان.
فكر في ذلك! نحن نعرف أن يوسف كان سبعة عشر عاماً عندما أخبر إخوته عن أحلامه (تكوين 2: 37) وكان يشار له "ولد" عندما تم بيعه للعبودية (تكوين 30: 37). بعد ذلك، "كَانَ يُوسُفُ ابْنَ ثَلاَثِينَ سَنَةً لَمَّا وَقَفَ قُدَّامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ." (تكوين 41: 46). تلك ثلاث عشرة سنة طويلة من العبودية ثم السجن، قبل رؤية الخير أخيراً الذي قصد به الرب من كل ما حصل.
شهادة يوسف يجب أن تعطينا تشجيع عظيم و تذكرنا بأن نثبت خلال أوقات التجربة. أهداف الله السيادية تتبع توقيته هو وليس توقيتنا. والخير الذي يجلبه ممكن أن يأتي بطرق غير متوقعة وبعد مدة من الزمان قد تبدو أنها تأخير. لكن الله قوي بما يكفي ليجلب الخير من الشر ويمد الخير حتى يصل بعيداً ويشمل كثيرين، مستخدماً معاناتنا ليس فقط حتى يثمر في حياتنا لكن أيضاً ليبارك حياة الآخرين. استرح في ذلك يا صديقي، وإذا كنت تعاني من صعوبة أن تحمد الرب في وسط التجارب، أشجعك لقضاء بعض من الوقت في التأمل بعظمة وكرم الله الذي يحول الأشياء المقصود بها للشر إلى أشياء مقصود بها للخير.
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ليلى عطالله. تعديل من قبل حنا باشا و حنين باشا.
This post was first published in 2021. To see the original English version, click here.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2021. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.
المصدر: Yandle Multimedia Photography. سمح بالنشر
No comments:
Post a Comment