في المشاركة السابقة، نظرنا إلى مقطع كتابي من سفر إرميا كمثال للحقائق الأقل شهرة في الكتاب المقدس. رأينا مثالاً حياً عن شعب اسرائيل وكيف ارتكبوا شرّيْن: ابتعدوا عن الله وحاولوا استبداله بأمور من صنع أيديهم. لكن القصة لم تنتهي هناك… دعونا ننظر إلى المقطع الكتابي التالي لنرى ما حدث بعد أن واجه الله الناس بشأن خطيئتهم.
في سفر إرميا من الإصحاح الثاني إلى العدد الخامس من الإصحاح الثالث، يستمر الله بتفصيل كيف أخطأ شعبهُ ويشرح العقاب الذي يستحقونه، ولكن في إرميا 12:3، يكشف الله أنه ليس فقط إله القداسة والعدل…
" ارْجِعِي أَيَّتُهَا الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أُوقِعُ غَضَبِي بِكُمْ لأَنِّي رَؤُوفٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أَحْقِدُ إِلَى الأَبَدِ."
وفي الآية 14:
"اِرجِعوا أيُّها البَنونَ العُصاةُ، يقولُ الرَّبُّ، لأنّي سُدتُ علَيكُمْ"
في الآية 12، نرى أن الله رحيم، وعلى الرغم من أن شعبه قد أضلوا، إلا أنه لم يتركهم بدون أمل، ولم يحكم عليهم أن يعانوا من غضبه للأبد. فقد دعا الله شعبه بمحبة للعودة إليه، كما أنه عرض أن يقدم لهم شيئاً… وهو الشفاء.
نرى هذا في الآية 22 عندما ينادي الله شعبه للعودة للمرة الثالثة:
"اِرجِعوا أيُّها البَنونَ العُصاةُ فأشفيَ عِصيانَكُمْ"
لقد وعدهم إذا عادوا إليه، بأنه سيأخذ الخيانة الّتي ارتكبوها ويشفيها، ويسترجع حياتهم من الدمار الذي نتج عنها، سوف ينقلهم من كونهم عاصيين إلى أبناء مخلصين له.
لاحظوا أن الدعوة "للعودة" تدل على أنهم كانوا متواجدين في المكان الذي تركوه. بكلمات اخرى، الله لا ينادي شعبه ليكونوا جزءاً من عائلته، هم جزءٌ منها بالفعل، ولكنه يناديهم ليعودوا للحظيرة. فنجد في العهد الجديد سيناريو مماثل من خلال الكنيسة، أولئك الذين أصبحوا جزءاً من عائلة الله عن طريق إيمانهم بيسوع المسيح لخلاصهم.
هناك تشجيع مهم لنا نحن الذين في المسيح. لماذا؟ لأن هذه الآيات ترينا أنه من الممكن للمؤمن أن يضل. قد لا يبدو لك هذا الأمر مشجعاً، وبالفعل الضلال ليس إيجابياً. لكن، بالنسبة لنا كأتباع للمسيح الذين يسعون للكمال والعمل بالقوانين بحذافيرها، الصراع المستمر مع الخطيئة في الحياة المسيحية لا يكون محبط فقط، بل هو هزيمة مدوية أيضاً.
كلما فشلنا في إماتة الخطيئة الّتي نصارع معها، كلما بدأنا في التشكيك بأننا مخلصون. نحن نعلم بداخلنا أننا مخلصين بنعمة الله، ولكن نعلم ايضاً أننا مدعوون للقداسة والتغيير الذي يجعلنا نشبه المسيح أكثر فأكثر، لذا عندما نفكر أو نقوم بأشياء ليست مثل المسيح بشكل واضح، نفشل في رؤية عمل الروح القدس في حياتنا، ونبدأ بالتساؤل إذا كان يعيش فينا على الإطلاق.
أنا أؤمن بشدة أن هذا هو السبب الذي جعل الله يصف بدقة ما حدث مع أتباعه الذين ضلوا. مثل نوح، إبراهيم، موسى، داوود، بطرس، وكما رأينا في الآيات السابقة في سفر إرميا. الله يعلم أننا نحتاج ما يطمئننا عندما نقع بالخطيئة كمؤمنين. فهذا لا يعني عدم الإيمان ولا انعدام الأمل في الحصول على الغفران والنعمة.
(بالطبع، نريد تجنب الضمان الزائف والتصديق بأننا مخلصون عندما لا نكون كذلك. فهناك علامات تساعدنا على تحديد ما إذا كنا بالحقيقة قد نلنا الخلاص. لكن أتحدث هنا عن الظاهرة الّتي تحدث عندما تبدأ الشكوك حول الخلاص لدى المؤمنين المخلصين بسبب عدم قدرتهم على تجاوز الوقوع في تجارب الحياة).
لذا، هذه الآيات تذكرنا بأن الله الرحيم الّذي خلّصنا لا تتغير طبيعته. خلاصنا لا يعتمد إطلاقاً على أي استحقاق أو إنجاز من جهتنا، ولكن على سِجِل يسوع الخالي من العيوب الذي يعطيه لنا كهبة لاستبدال سِجِل أخطائنا. خلاصنا لا يعتمد على من نحن، أو ما فعلنا، أو نفعل، أو سنفعل، بل يعتمد على من هو الله وماذا فعل، وما يفعل، وما سيفعل.
نحن بحاجة ملحة إلى هذا التذكير كما نرى في سفر إرميا، بالأخص في ثقافة الكنيسة اليوم، الّتي تتجنب بأن يكون الناس صادقين بشأن صراعاتهم وشكوكهم. بصراحة، كبريائنا غالباً ما يمنعنا من التعبير عن مخاوفنا أيضاً (لا سمح الله أن نشوه "صورتنا المسيحية" بالاعتراف بضعف الإيمان أو التشكيك بخلاصنا) ولكن أصلي بأن تصبح الكنيسة جماعة حقيقية، تعكس العائلة، حيث يمكن للناس أن يكونوا منفتحين وصريحين في لحظات إيمانهم المتزعزع ويجدون التشجيع والإرشاد من الإخوة والأخوات والإرشاد المبني على الكتاب المقدس.
إذا وجدت نفسك مرهقاً تحت الهجمات المتواصلة من عدوك، الذي يسعد بزرع بذور الشك في قلبك وفكرك، أصلي أن يكون لك أخ أو أخت في المسيح تتكئ عليه أو عليها وتجد التشجيع. كما وأصلي أن يكون هذا الشخص يقودك بالاتكال على قوة الرب يسوع وعلى حقيقة كلمته. أصلي أن تتمسك بآيات الّتي تعلن حقيقة لطف ورحمة ومحبة الله مثل الآيات من سفر إرميا. وإذا كنت تائهاً وضالاً، فأصلي أن تستجيب لدعوة الله الحقيقية للعودة، وتثق أنك لهُ وهو لن يتركك أبداً.
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميار مسلّم.
This post was first published in 2018. To see the original English version, click here.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2018. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.
No comments:
Post a Comment