بالنسبة لأولئك منا الذين قرأوا الكتاب المقدس لعدد من السنوات، يمكن أن يصبح من السهل التنقل عبر النصوص بأعين ثاقبة والبقاء على الطريق المعتاد، ونشق طريقنا عبر اصحاح تلو الآخر ممن قرأناه عشرات المرات من قبل. في بعض الأحيان سنقرأ ونلاحظ بعض الأمور التي لم نلاحظها من قبل. ففي أغلب الأحيان هنالك بعض الأجزاء من الكتاب المقدس (ليست فقرة كاملة بل أيات او حتى عبارات) التي تبرز أمامي مما يدعوني للتوقف والنظر إليها من خلال عدسة مكبرة (بالمعنى المجازي).
اود اليوم ان أتناول احدى هذه المقاطع وافحصها بالتدقيق على أمل انه في المرة التي تراودك فيها لحظة "هاه، لم ألاحظ ذلك من قبل" لن تمر عليها مرور الكرام لكن ستبحر في الطريق الذي تفتحه لك. اذن الى أين نحن متجهون؟ الى إرميا 2: 13 ,لنلقي نظرة:
"لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً." إر 2: 13
الانتباه إلى القوائم عند قراءة الكتاب المقدس , ممارسة أساسية جدا. فعندما تكون الأشياء مرتبة بوضوح في مجموعات او مرقمة بطريقة معينة ,فإن ذلك يساعدنا بسهولة للملاحظة والتعمق أكثر فيها.
في بداية هذه الآية , يوضح الله عملين اثنين ارتكب فيها شعبه , بني إسرائيل , الشر. هذه هي العلامة التي لفتت انتباهي في هذه الآية , دعونا نخرج عن الطريق المعتاد ونرى إلى أين سيأخذنا هذا المسار.
بعد أن صادفنا هذه البداية , يجب علينا أن نسأل بعد ذلك ما هما الشران وننظر إلى النص للحصول على الإجابة. ملاحظة جانبية, من أفضل النصائح التي تلقيتها لدراسة الكتاب المقدس هي طرح الأسئلة دائما والحصول على الإجابة من النص. يجب أن ندع الكتاب المقدس يتحدث عن نفسه قبل أن ننتقل إلى تفاسير او أدلة أخرى. مع أن فعل ذلك ليس خاطئ , إلا أنها ليست كلمة الله الحية فالكتاب المقدس هو كلمة الله الحية. حسناً, سنعود للمسار .....
لقد طرحنا سؤال: " ما هما الشران اللذان ارتكبهما شعب الله؟ " عندما نقرأ نجد أن الإجابة تأتي مباشرة. الشر الأول انهم تركوا الله. حسناً , من الواضح أن هذا أمر سيء, إذا كنتم شعب الله المختار. الشر الثاني " نقروا لأنفسهم أبار مشققة"؟ ما الذي يفترض أن يعني هذا؟ ولماذا يعتبر هذا شر؟
مجددا , سوف نعود للنص. في منتصف الآية عندما يذكر الله الشر الأول يعطي عبارة وصفية عن نفسه – "ينبوع المياه الحية ". لذلك نلاحظ ان الله الذي تركه شعب إسرائيل هو الذي يوفر ليس فقط شيئاً ضرورياً للحفاظ على الحياة (الماء) بل شيئاً يمنح الحياة بالفعل (المياه الحية).
هذا هو الوقت المناسب للبحث في أماكن أخرى في الكتاب المقدس التي تم فيها ذكر المياه الحية (يسوع مع المرأة السامرية عند البئر في يوحنا 4). عند القيام بذلك فإننا نستخدم أداة تسمى التوافق والتي تعرض كل الأماكن التي ذكرت فيها هذه الكلمة في الكتاب المقدس مع إعطاء المرجع. لكن الأن دعونا نلتزم بما ورد في هذه الآية.
بمجرد ان نلاحظ ان الله استخدم الماء كتشبيه او استعارة , يمكننا أن نفهم بشكل أفضل ما يعنيه بالشر الثاني في الواقع. لقد ابتعد بنو إسرائيل عن ينبوع المياه الحية وبنوا بئراً عوضاً عنه. أي انهم لم يرفضوا الله فقط لكنهم ذهبوا خطوة ابعد ,اذ وأنهم حاولوا استبداله بأشياء من صنع أيديهم. من الواضح أن نفوسهم كانت بحاجة للمياه الحية , لكنهم ابتعدوا عن الله الوحيد القادر ان يوفر لهم هذا ويملأ الفراغ بتسديد كل احتياجاتهم.
وهذا مثال على " زيادة الطين بلة " وكأنك تقول إلى الله:" أنا لا أعترف بأي شيء فعلته من أجلي , لا أريد أي شيء قدمته لي ولا أريد أن احذو حذوك , وفوق كل ذلك اعتقد أن هناك شيء أخر أفضل منك ". هذا ليس بالكلام الصحيح الذي يمكن قوله للكائن الأسمى الذي خلقك.
ولكن هناك المزيد مما يمكن استخلاصه هنا. ماذا يمكننا ان نسأل بعد؟ ماذا عن الفرق بين الينبوع والبئر؟ فالينبوع هو شيء يخرج الماء لكن البئر فهو شيء يحفظ الماء فقط , لا بد من إعادة تعبئته فهو لا يزود نفسه بنفسه.
لذا , علاوة على رفضهم لله , الذي اختارهم من بين كل الناس على الأرض وأتاح لهم هذه المياه الحية للحياة الأبدية , فإنهم يحاولون أن يحصلوا على الامتلاء الروحي من شيء أخر هم صنعوه بأنفسهم وهو ليس كافي , هو بالكاد يوفر شيئاً. لكن الأمر يزداد سوءاً , إذا واصلنا القراءة نرى أن هذه الآبار آبار مشققة لا تستطيع حفظ الماء! ففي الأساس، البديل(الآبار) التي صنعوها بالكاد تعمل عملها المصنوعة لأجله , ناهيك عن القيام بما يفعله الله.
والأن بعد ان تعمقنا في هذه الآية, وطرحنا بعض الأسئلة لاكتشاف المعنى وفهم عمق ما تحمله هذه الآية وما تقوله , يمكننا اخذ الخطوة لتطبيقها على أنفسنا. من السهل أن نقرأ عن تمرد بني إسرائيل ونفكر في مدى حماقتهم. بعد كل ما فعله الله من أجلهم , كيف يمكن ان ينقلبوا عليه؟
ومع ذلك ,ألسنا جميعاً معرضين لنفس التمرد؟ قد لا نعبد الأصنام التي صنعناها بأيدينا في الأماكن المرتفعة حول المدينة كما كانوا يفعلون , ولكننا جميعاً رفضنا الله وقلنا أننا نريد خطتنا بدلاً من خطته لنا ,سواء بشكل لاشعوري أو بصراحة. نقول إننا لا نريده , ولكننا نعود ونكتشف أننا بحاجة إليه من خلال السعي إلى تحقيق رضى الأخرين او الأشياء الأخرى. وفي فعلتنا هذه , فإننا لا نرتكب شر واحد فحسب بل شريين.
عندما نقرأ نصوص مثل هذا النص , عندها , يمكننا استخدامها كحافز لنختبر قلوبنا ونلاحظ ميولنا الى التيهان ونطلب المساعدة من الله , ونتعجب من نعمة الله اللامحدودة , ونمجده على قدرته التي من خلالها يهبنا الحياة الأبدية عن طريق يسوع المسيح. وذلك من خلال آية واحدة فقط.
أتمنى أن يكون هذا المثال قد اعطاكم التحدي والتشجيع الذي تحتاجونه للإبحار في كلمة الله. فعندما نتنحى عن الطريق المعتاد لما نألفه ونعرفه ونخوض طريق الاكتشاف , نبدأ باستكشاف كنز الحق والبركات الروحية الموجودة في صفحات الكتاب المقدس.
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميار مسلّم.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2018. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.
.This post was first published in 2018. To see the original English version, click here
No comments:
Post a Comment