Wednesday, March 15, 2023

الله ذاته بأمر جديد

بالتأكيد أن كلمة الله عامةً رائعة وخصيصاً إشعياء وهو أحد الأسفار المفضلة لدي وذلك لوجود العديد من الجواهر المخبئة بين صفحاته بانتظار التنقيب عنها. نجد إحدى تلك الجواهر في الإصحاح 43. أذكر جيداً أول مرة ترسّخت فيها الآيتان 18 و19 من هذا الإصحاح في ذهني. كنت قد قرأت سفر إشعياء عدة مرات، لكن في أحد أيام المدرسة الثانوية، شارك أحدهم هذه الآيات ككلمات وضعها الله على قلبه خلال مرحلة تغيير في حياته، ومنذ ذلك الحين بقيت هذه الكلمات عالقة في ذهني.

ومنذ ذلك الوقت، كلما مررت بهذه الفقرة أثناء قراءتي لإشعياء، أفكر بتلك الشهادة. لكن قبل بضعة أسابيع، وبينما كنت أقرأ الإصحاح من جديد، لفت انتباهي سياق الآيات، ولاحظت عناصر لم أرها من قبل. لنقرأ أولاً إشعياء 43: 16 - 21: 

16 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الْجَاعِلُ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا وَفِي الْمِيَاهِ الْقَوِيَّةِ مَسْلَكًا.

17 الْمُخْرِجُ الْمَرْكَبَةَ وَالْفَرَسَ، الْجَيْشَ وَالْعِزَّ. يَضْطَجِعُونَ مَعًا لاَ يَقُومُونَ. قَدْ خَمِدُوا. كَفَتِيلَةٍ انْطَفَأُوا.

18 «لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، وَالْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا.

19 هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا.

20 يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ الصَّحْرَاءِ، الذِّئَابُ وَبَنَاتُ النَّعَامِ، لأَنِّي جَعَلْتُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَاءً، أَنْهَارًا فِي الْقَفْرِ، لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي.

21 هذَا الشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي.

ما شدّ انتباهي في هذا المقطع هو أمر الرب "لا تذكروا". ففي عدة أحيان في العهد القديم، يقول الرب لشعبه أن يتذكر. أن يتذكر كيف أخرجه من أرض مصر، أن يتذكر وصاياه التي أعطاه أياها وكيف قاده في البرية. لكن هنا، يقول الرب لشعبه أن ينسى، فهذا الأمر فريد من نوعه في الكتاب المقدس لذلك يستحق أن نتعمق به.

إن أمر النسيان لم يُكتب بشكل منفصل بل يقع بين شيئين وهما وصف ما قد فعله الرب والوعد بما سيفعله. نرى في الآية 16 وصفاً لله – اسمه يهوه إله العهد هذا هو – "الْجَاعِلُ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا وَفِي الْمِيَاهِ الْقَوِيَّةِ مَسْلَكًا". ويتبن أن الآية التالية تلمّح إلى حادثة عبور بني إسرائيل البحر الأحمر، حين جفّف الله الطريق لهم وغرق جيش فرعون (الآية 17). عادة، عند رؤيتنا لآيات مثل هذه نرى الرب يقول لشعبه أن يتذكر هذه الأحداث، لكن بدلاً من ذلك يقول الرب "لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، .... هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا." (18-19).ويستجدي السؤال، ما هو هذا الأمر الجديد ؟ لنستمر بالقراءة. 

"فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا." (الآية 20). 

فهذا هو الأمر الجديد، لكن هل ترى التماثل بين الأمر القديم (الأوليات المذكورة في آية 16) والأمر الجديد (المذكور في آية 19)؟ هناك مقابلة ومقارنة في أعمال الله ووصفها:

  • في الآية 16: "طريق في البحر" بينما في الآية 19: "طريق في البرية"

  • في الآية 16: يجفف الماء، بينما في في الآية 19: يُوجد ماء حيث لا يوجد.

كلاهما يضم نفس العناصر من المياه والأرض الجافة وأن الرب صانعاً للطريق. فلماذا يطلب الرب من شعبه أن ينسى الأوليات التي بينت قوته بشكل كبير؟ ربما ليتعلم شعبه ونحن أيضاً أن ندرك بأنه مع كون الله يعمل دائماً إلا أنه لا يعمل دائماً بالطريقة ذاتها. ففي بعض الأحيان تكون المشكلة هي المياه وهو يحمينا من الغرق وفي أحيان أخرى نتعذب من الجفاف وهو يحمينا من الموت ظمئاً. في بعض الأحيان يمنحنا أرضاً ثابتة لنمشي عليها وفي أحيان أخرى يعطينا أنهار مياه منعشة. 

نحن كثيراً ما نتمسّك بذكريات تدخلات الله الماضية لدرجة أننا نفشل في رؤية تدخله الجديد. نتوقّع منه أن يتصرّف بنفس الطريقة، وعندما لا يحدث ذلك، نشعر بالإحباط أو نشك. لكن عدم تشابه الطريق لما كان عليه سابقاً لا يعني عدم وجوده. الله هو ذاته، و يصنع الطريق دائماً، لكن أحياناً هذا الطريق يأتي بصورة لم نتخيلها، وأحياناً نبحث عن مسار يقودنا خارج ظروفنا غير مدركين بأن ما نحتاجه هو نهر في وسطها. فأحياناً تركيزنا على ما سبق يجعلنا لا نرى الأمر الجديد الذي يفعله الرب في حياتنا. 

مهما كان ما نواجهه، الله هو ذاته اليوم كما كان عليه دائماً، مما يعني أنه يعمل لأنه إله حي. 

"هَذَا ٱلشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي". (إشعياء 43: 21)

هو الإله ذاته، يعمل أمراً جديداً. فلنطلب أن تُفتح أعيننا لنرى ذلك، وأن نحيا حياة تُعلن مجده.


كتب من قبل أوليفيا. ترجم من قبل سديم.  تعديل من قبل حنين باشا.

هذا المنشور تم نشره أولا في 2019. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا

This post was first published in 2019. To see the original English version, click here.






No comments:

Post a Comment