بالتأكيد أن كلمة الله عامةً رائعة و خصيصًا أشعياء وهو أحد الأجزاء المفضلة لدي و ذلك لوجود العديد من الجواهر المخبئة بين صفحاته بانتظار التنقيب عنها. نجد إحدى تلك الجواهر في الأصحاح الثالث و الأربعين . أتذكر بوضوح المرة الاولى التي أدركت بها أشعياء '٤٣: ١٨-١٩'، حيث انني قد قمت بقراءة تلك الآيات مسبقًا مع قراءاتي المتعددة للكتاب لكنها لم تعلق في ذهني حتى جاء يوم كنت فيه في المدرسة الثانوية وشاركت إحداهن تلك الآيات كآيات وضعها الرب على قلبها خلال مرحلة من التغيير.
منذ ذلك الحين، افكر في تلك المرأة و شهادتها كلما وصلت الى هذا الجزء خلال قراءتي لاشعياء، حيث انني قمت بقراءته مجددا منذ أسبوعين و برز لي سياق هذه الآيات و لاحظت عناصر هذا الجزء التي لم الاحظها مسبقًا . فقبل أن نبدأ، هذه كلمات أشعياء ٤٣: ١٦-٢١ بالكامل :
16 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الْجَاعِلُ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا وَفِي الْمِيَاهِ الْقَوِيَّةِ مَسْلَكًا.
17 الْمُخْرِجُ الْمَرْكَبَةَ وَالْفَرَسَ، الْجَيْشَ وَالْعِزَّ. يَضْطَجِعُونَ مَعًا لاَ يَقُومُونَ. قَدْ خَمِدُوا. كَفَتِيلَةٍ انْطَفَأُوا.
18 «لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، وَالْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا.
19 هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا.
20 يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ الصَّحْرَاءِ، الذِّئَابُ وَبَنَاتُ النَّعَامِ، لأَنِّي جَعَلْتُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَاءً، أَنْهَارًا فِي الْقَفْرِ، لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي.
21 هذَا الشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي.
ما برز لي بشكل كبير في هذه القطعة هو أمر الرب " لا تذكروا ". ففي عدة احيان في العهد القديم ، يقول الرب لشعبه ان يتذكر. ان يتذكر كيف اخرجه من ارض مصر و وصاياه التي اعطاه اياها و كيف قاده من البرية الى ارض الميعاد و كيف قام باختبار الرب. لكن هنا، يقول الرب لشعبه أن ينسى، فهذا الأمر فريد من نوعه في الكتاب المقدس لذلك يستحق ان نتعمق به.
إن أمر النسيان لم يكتب بشكل منفصل بل يقع بين شيئين و هما وصف ما قد فعله الرب والوعد بما سيفعله. فلننتبه للطريقة التي وصف بها الرب في آية ١٦، فقد لقب بـ اسمه يهوه إله العهد هذا هو "الْجَاعِلُ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا وَفِي الْمِيَاهِ الْقَوِيَّةِ مَسْلَكًا"(١٦). و يتبين في الآية اللاحقة إلى أن هذا الجزء يشير إلى عبور الاسرائيليين البحر الاحمر على ارض جافة و مشاهدتهم الجيش المصري يتدمر عندما غمرتهم المياه(١٧). عادة ، عند رؤيتنا لآيات مثل هذه نرى الرب يقول لشعبه ان يتذكر هذه الأحداث ، لكن بدلا من ذلك يقول الرب " لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، .... هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا." (١٨-١٩).ويستجدي السؤال ، ما هو هذا الأمر الجديد ؟ لنستمر بالقراءة.
يعد الله في الجزء الآخر من الآيات ١٨ و ١٩ بأنه سيجعل " فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا." (٢٠). فهذا هو الأمر الجديد ، لكن هل ترى التماثل بين الشيء الجديد و القديم ؟ هناك مقابلة و مقارنة في أعمال الله و وصفها . ففي الآية السادسة عشر، قد شق طريقا في وسط كمية هائلة من المياه و في الآية التاسعة عشر يفعل شيئًا مضادًا بخلق مياه جارية في وسط ارض عطشى. ذكرت "الأوليات" في الآية السادسة عشر أما "الأمر الجديد" مذكور في الآية التاسعة عشر لكن كلاهما يضم نفس العناصر من المياه والأرض الجافة و الرب صانعًا للطريق.
فلماذا يطلب الرب من شعبه أن ينسى الأوليات التي بينت قوته بشكل كبير ؟ ربما ليتعلم شعبه و نحن أيضًا ان ندرك بأنه مع كون الله يعمل دائمًا الا انه لا يعمل دائمًا بالطريقة ذاتها. ففي بعض الأحيان تكون المشكلة هي المياه و هو يحمينا من الغرق و في احيان اخرى نتعذب من الجفاف و هو يحمينا من الموت ظمئا . في بعض الأحيان يمنحنا أرضًا ثابتة لنمشي عليها و في احيان اخرى يعطينا انهار مياه لنتمتع بها. أحيانًا يساعدنا بعبور التجربة و في احيان اخرى يحفظنا خلالها.
عندما نرى عمل الله في موقف معين، نتمسك بتلك الذكرى، معتزين بالطريقة التى رأيناه يعمل بها، لكن التمسك بها كثيرا يمكن أن يمنعنا من رؤية الأمور و الطرق الأخرى التي يمكنه فعلها و العمل بها. ثم، نتوقع منه عند وقوعنا تحت تجربة اخرى أن ينقذنا مثل ما فعل في آخر مرة و ما يقودنا لهذا التفكير هو كونه نفس الإله و توقعنا بسداده للاحتياج بنفس الطريقة دائمًا مما في أحسن الأحوال يعرضنا لخيبة الأمل أو في أسوأ الأحوال يعرضنا للشك عندما لا يعمل بنفس الطريقة التي اعتمدها سابقًا.
لكن عدم تشابه الطريق لما كان عليه سابقا لا يعني عدم وجوده. الله هو ذاته، و يصنع الطريق دائما، لكن احيانا هذا الطريق يأتي بصورة لم نتخيلها، و أحيانا نبحث عن مسار يقودنا خارج ظروفنا غير مدركين بأن ما نحتاجه هو نهر في وسطها. فاحيانا تركيزنا على ما سبق يجعلنا لا نرى الأمر الجديد الذي يفعله الرب في حياتنا.
مهما كان ما نواجهه، الله هو ذاته اليوم كما كان عليه دائما، مما يعني انه يعمل لانه اله حي. الله الذي يعرف احتياجاتنا بشكل كلي و مثالي، هو الذي يصنع طريقا لكي نقوم نحن " هذَا الشَّعْبُ [الذي] [جَبَلْه ][لِنَفْسِه][نحَدِّثُ ][بِتَسْبِيحِه]" (٢١) فهو الله ذاته يفعل أمرًا جديدًا، فليكن لدينا الأعين لنلاحظ هذا الأمر الجديد و أن نحيا حياة تعلن مجد الرب.
كتب من قبل أوليفيا. ترجم من قبل سديم.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2019. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.
This post was first published in 2019. To see the original English version, click here.
No comments:
Post a Comment