Wednesday, January 17, 2024

البحث الدؤوب للقلب المتألم

الحياة مليئة بالفصول وفي بعض الأوقات هذه الفصول تجلب ألم وثقل من جراء الأسئلة المبهمة. بعض الأحيان يبدو لنا الله وكأنه غائب أو غير منتبه. وإذا كنت مثلي، فتلك الأفكار تأتي مثقلة بالشعور بالذنب لأنك تعلم في قريرة نفسك أن الله لم يكن يوماً غائباً عن أبنائه، ولكن مشاعرك لن تكون دائماً متفقة مع معرفتك. في هذه الأوقات بالذات نجد التشجيع في كلمة الله.

عندما كنت أقرأ مزمور 77 في احدى المرات، كنت مذهولة من جمال الصورة التي تصف ردة فعلنا لمدى الألم الذي نشعر به. قبل أن نكمل، خذ دقيقة لقراءة المزمور من هنا.

من الوهلة الأولى يصبح واضحاً أن آساف في محنة وألم، كلماته الأولى "صَوْتِي إِلَى اللهِ فَأَصْرُخُ." تبين أن قلقه الداخلي أصبح عظيماً لدرجة أنه تُرجم الى تعبيرات صوتية. في العدد 2، نرى أن ألمه مستمرٌ في الليل وفي النهار وليس هناك راحة أو تعزية:" أَبَتْ نَفْسِي التَّعْزِيَةَ." حتى التفكير في الله يجعله يئن (العدد3)، وفي النهاية أصبح صامتاً من جراءِ حمله العظيم: "انْزَعَجْتُ فَلَمْ أَتَكَلَّمْ." عدد 4. في العدد 5 آساف يبدأ بالتفكير في الماضي البعيد ورغبته في تحويل أفكاره إلى أشياء ممتعة ومرحة خلال الوقت الصعب.

نقطة التحول كانت في العدد 6: “وَرُوحِي تَبْحَثُ." وما تلا ذلك من مجموعة من الأسئلة التي تُرينا ارتباك آساف وشكوكه: "هَلْ إِلَى الدُّهُورِ يَرْفُضُ الرَّبُّ، وَلاَ يَعُودُ لِلرِّضَا بَعْدُ؟ هَلِ انْتَهَتْ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ؟ انْقَطَعَتْ كَلِمَتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ؟ هَلْ نَسِيَ اللهُ رَأْفَةً؟ أَوْ قَفَصَ بِرِجْزِهِ مَرَاحِمَهُ؟" (العدد7-9). هذه الأسئلة امتدت على سلسلة كاملة من تدقيق من هو الله. آساف افترض أن الله يقف ضده وكل أسئلته كانت عما إذا سيستمر رفض الله للأبد أم لا. لقد شك في صفات الله، تسائل عما إذا كان حب الله مؤقتاً. لقد شك في وعود الله، سائلاً عما إذا كان لها وقت انتهاء، تسائل عما إذا كان الله غائب الذهن، ظانّاً أنه من الممكن أن يكون ناسياً لحقيقة شخصه، أخيراً تساءل إذا من الممكن أن يغلق باب مراحمه بسبب غضبه.

في عدد 10 نرى استمرارية شعور آساف بالشك "فَقُلْتُ: «هذَا مَا يُعِلُّنِي: تَغَيُّرُ يَمِينِ الْعَلِيِّ» “، لقد تسائل وتوصل الى إجابة لأسئلته وهي "نعم، لقد تخلى الله عني".

ولكن آساف لا يتوقف هنا، هذه الأسئلة ما هي إلا بداية "بحثه الدؤوب"، بمجرد ما أقر بمشاعره بأن الله تخلى عنه، قد بدأ بتذكير نفسه بالحقائق التي يعرفها عن الله، مرسخاً حقيقة الله في المواقف الماضية ومستذكراً صفاته الأبدية. على الرغم من أن مشاعره قادته للتفكير بهذه الأسئلة، رفض أن يتوقف عن اكمال البحث، ولم يتخبط في شكوكه. على الرغم من ذلك، اتخذ قرار واعي بأن" أَذْكُرُ أَعْمَالَ الرَّبِّ. إِذْ أَتَذَكَّرُ عَجَائِبَكَ مُنْذُ الْقِدَمِ. وَأَلْهَجُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِكَ، وَبِصَنَائِعِكَ أُنَاجِي." (عدد 11 و12). لمرة أخرى حوّل انتباهه الى الماضي، ولكن هذه المرة كان تركيزه محدداً ليس مجرد تذكر للماضي، بل تذكر يد الله فيه بالتحديد.

لنلاحظ أنه انتقل من مجرد كونه مستذكراً إلى أن يكون لاهجاً ومناجياً لله، بمعنى آخر هو قد استحضر أعمال الله وتفكر فيهم بعمق وبتمعن واستنتج أن " اَلَّلهُمَّ، فِي الْقُدْسِ طَرِيقُكَ." وأكمل ليسأل سؤال آخر:" أَيُّ إِلهٍ عَظِيمٌ مِثْلُ اللهِ؟" والجواب مفهوم ضمنياً وهو لا!، ركز آساف على مميزات الله العليا وعلى استقامة الله الكلية في التعامل مع البشر.

العدد 11 يسجل نقطة تحول أخرى، كما نرى آساف ينتقل من التكلم عن الله للتكلم معه، من الممكن أنها مناجاة لعظمة وقداسة الله التي ترجمت لعبادة: " أَنْتَ الإِلهُ الصَّانِعُ الْعَجَائِبَ. عَرَّفْتَ بَيْنَ الشُّعُوبِ قُوَّتَكَ." عدد 14 هو أقر واعترف بقدرة الله وعجائبه في الكشف عن نفسه ليس فقط لشعبه، بل للشعوب الأخرى أيضاً.

إكمالاً لباقي المزمور، آساف يعود لعدّ طرق معينة تصف سيادة الله على الطبيعة (عدد 16-18)، تعرض عنايته الرقيقة (عدد 20) تهيئته لخطته الخلاصية (عدد15)، في العدد 19 آساف يقر ويعترف بأن هناك أوقات يعمل فيها الله، ولكن ب “آثار لم تُعرف". ولكي يقدم المديح لله، ذكّر آساف نفسه بحقيقة أن عدم رؤية الله يعمل لا يعني أنه لا يعمل بالحقيقة.

أتمنى أنك رأيت أن مزمور 77 لا يعلمنا فقط عن الله، ولكن يعطينا خطة مفصلة عن كيف لنا أن نعتني بأرواحنا عندما نعاني من قلب متألم. يبين لنا أنه من المقبول أن نسأل وأن نشك في بعض الأحيان، ولكن علينا أن ننطلق من الشك لليقين المجيد الذي ينتظرنا على الطرف الآخر بينما نكتشف عظمة وعطف ورحمة إله السماوات. لقد علمنا أن نعظ أنفسنا بحقيقة من هو الله، أن نذكر أنفسنا بما نعرفه من خبرتنا ومن كلمته التي لا تخذلنا، تبين لنا أننا يجب أن نفكر بعمق بما فعله الله وبما يفعله لنا، اختر أن تنعم بهذه الحقائق بدل الانغماس بالألم الحالي.

صلاتي لك إذا كنت متألم اليوم، أن تجد التشجيع في مزمور آساف وأن تتبعه كمثال، وأن تقوم ببحثك الدؤوب الخاص بك لتجد سلام الله في يسوع المسيح، والذي يأتي من معرفته، تأمل أعماله العظيمة وجِد التعزية في محبته ورعايته لك. 

كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميس سلفيتي.


.This post was first published in 2020. To see the original English version, click here

هذا المنشور تم نشره أولا في 2020. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.


المصدر: Cyndi Hackett. سمح بالنشر.

2 comments:

  1. Yes we need always encouragement from the word of god thank you for sharing

    ReplyDelete