من الممكن أن تعتقد من العنوان أنّنا سنتكلم عن الرهبة التي شعر بها المجوس عندما التقوا وجها بوجه بالمسيح، مع أنني متأكدة من أن الدهشة كانت إحدى المشاعر التي اختبروها بذلك الوقت، ولكن الدهشة التي أتكلم عنها اليوم هي التي نشعر بها نحن بينما نتعمق في شخصيات المجوس وفهم أهمية تاريخهم والهدايا التي قدموها. إذا لم تقرأ أبدا متى ٢ الذي يتحدث عن رحلة المجوس فإنه لا يوجد وقت أفضل من الآن لاكتشافه، أما إذا كنت بالفعل قد قرأته فإنه من الجيد قراءته مجددا. وسأعطيك بالفعل بعض الدقائق لقراءته الآن..
حسناً، هل انتهيت من القراءة؟ هيا، فلنتعمق به
بمرور السنين أخذنا الكثير من التراخيص الفنية (مصطلح يدل على تشويه الحقيقة أو إعادة صياغة نص موجود مسبقاً) بما يخص المجوس. من الممكن أنك لاحظت أن الكتاب المقدس لم يذكر أنهم كانوا ثلاثة، ولكن من عدد الهدايا المقدمة (الذهب واللبان والمر) استنتجنا عددهم. أيضاً لا يوجد ذكر لسُجود المجوس والرعاة معا* أمام الطفل يسوع كما يُصور في العديد من مشاهد الميلاد. الى جانب ذلك يوجد العديد من الحقائق بما يخص قصة المجوس والتي تعكس جمال وحكمة الرب.
أولاً، الهدايا، من السهل استنباط معاني الهدايا المقدمة من المجوس للطفل يسوع، ولكن معاني تلك الهدايا أكبر من تلك الإجابات التي نعطيها بألعاب الفوازير التي تخص عيد الميلاد.
من الممكن أن تكون مطلعاً على ترنيمة ميلادية اسمها “We Three Kings” (نحن الملوك الثلاث) لـ جون هنري هوبكنز، ولكن هل تعرف جميع أبيات الترنيمة؟ بينما اتٌّخذت الرخصة الفنية – كما ذُكر سابقاً- في العنوان والبيت الأول، تحدث البيت الثاني الى الرابع عن أهمية الهدايا المقدمة:
وُلد ملك في سهل بيت لحم
أُحضر الذهب لأتوجَه مرة أخرى
ملك للأبد، لا يتوقف
علينا جميعاً ليملك
اللبان عليّ أن أقدمه
البخور يقر بإله قريب
الصلاة والتسبيح فليرفع الكل
سبحوا الإله في الأعالي
المر لي، عطره المر
يتنفس حياة تجتمع فيها الكآبة
الحزن والتنهد والنزف والموت
مدفون في قبر مغلق بحجر بارد
في ترنيمة حديثة أخرى “Joy Has Dawned” (طلعت شمس الفرح-) لـ كيث جيتي وستيوارت تاونند، تكشف عن نفس المعنى في منتصف البيت الثالث:
هدايا من رجال من الأرض البعيدة تنبأت بالقصة
ذهب- ملك ولد اليوم
بخور- الرب معنا
مر- موته سيكون طريقاً، وسيملك علينا بدمه
لذا فالهَدايا لم تكن فقط منتجات غالية الثمن أُغدقت على من يستحقها، بل كانوا هدايا رمزية تدل على هوية يسوع وغرض مولده. الذهب كان هدية لملك ويسوع هو ملك الملوك، البخور كان مادة تقدم لله ويسوع هو الله، وقد جاء ليعيش في وسطنا مختبراً الحياة الأرضية والإغراءات مثلنا، ولكن بلا خطية أبداً. المرُّ كان لتحضير الجسد للدفن، ويسوع مات بريئا ً كإنسان بدلاً منا، خليقته الساقطة، ودفن في قبر قبل أن يقوم من الأموات.
وهكذا، زيارة المجوس قد فعلت أكثر بكثير من فقط تقديم هدايا الاحترام والتبجيل ليسوع، فهي قد أعلنت للذين عاشوا بذلك الوقت والآن أن يسوع ليس فقط شخص، بل هو ملك الملوك، إله في وسطنا، ومخلص العالم، كما في المقطع الأخير من ترنيمة (نحن ثلاثة ملوك) ملك وإله وذبيحة.
بالرغم من ذلك، هناك جانب آخر من شخصية المجوس يجب أخذها بعين الاعتبار، جانب لم يكن واضحا بسهولة. في الحقيقة يجب علينا الرجوع مئات السنوات الى الوراء لنعي هذه الأهمية. والدليل موجود في متى ١:٢ والذي يخبرنا أن المجوس قد أتوا من الشرق. حسناً، قد تتساءل وماذا اذاً؟! كان بإمكانهم بسهولة القدوم من الغرب أو الجنوب، ولكنهم لم يفعلوا.
هنا سَأقدم شكري لدُكتور مادة العهد الجديد في الجامعة لتَنبيهي لما سأُشاركه الآن. من وقتها – ثاني أسبوع من الفصل الثاني في سنتي الأولى بالجامعة- وكأنها قد تركبت الصورة في لعبة الاحجية، ولا أستطيع إلا أن أتحمس كلما فكرت في الأمر.
هل تملكك الفضول الآن؟ حسناً فلنبدأ، اربطوا أحزمتكم لجولةٍ سريعة في التاريخ...
بعدما انقسم الشعب اليهودي الى مملكة شمالية سميت إسرائيل ومملكة جنوبية سميت يهوذا، كل مملكة منهم انتفت ووقعت تحت حكم احتلال مختلف عن الأخرى. بالنسبة لمملكة إسرائيل فقد كانت تحت حكم الآشوريين في القرن الثامن قبل الميلاد بينما احتلت مملكة يهوذا في القرن السادس والسابع قبل الميلاد من قبل البابليين الذين انتصروا بعد ذلك على الآشوريين. المملكة التي قويت بعد ذلك هي مملكة مادي وفارس والتي كانت في أوج قوتها عندما سُمح لليهود بالرجوع لأرضهم وإعادة بناء الهيكل. بعد مملكة مادي وفارس جاء الإغريق والذين انحدر وجودهم بنجاح الرومان في تولي الحكم والذي استمروا به وقت مولد يسوع.
من الممكن أنك سمعت أحدهم يشرح من قبل أن مجيء يسوع كان في وقت كل الظروف كانت مواتية لمجيئه، فقد كانت فترة (السلام الروماني) والعالم الغربي كان متحداً من خلال طرق رومانية وأيضاً من ناحية اللغة والثقافة فقد ساد الإرث الاغريقي.
بكلماتٍ أخرى، ممارسات القوى في العالم خلقت بيئة مناسبة أدت لتحقيق خطة الله. ولكنها لم تكن ممارسات الرومان والإغريق التي أثرت على الشعب اليهودي ووضعت قواعد مجيء المسيح، بل طريقة تعامل كل امبراطورية مع السبي أيضاً.
فطَريقة الآشوريين في التعامل هي تفريق الشعب المَسبي عن طريق خلط مجموعات مختلفة من السبي لإحباط ومنع أي ثورات. وبهذه الطريقة نتج السامريون، خليط بين اليهود ومجموعات أخرى من الشعوب التي لعبت دورا بارزا في خدمة يسوع (فكر بالمرأة السامرية عند البئر، مثل السامري الصالح، والوصية ب أعمال الرسل ٨:١).
أما البابليون فقد اتخذوا تكتيك مختلف، بدلاً من خلط السبي، يقوم البابليون بترك الفقراء من الشعب المسبي يرجعون الى أرضهم ويحتفظون بالأغنياء والأذكياء والأكثر تأثيراً ببابل وهناك بإمكانهم تعليم البابليين والاستفادة من خدماتهم. دانيال كان أحد هؤلاء النخبة، فهو ذهب ليصبح من أبرز الأشخاص بشكل ملحوظ في الامبراطورية البابلية وحتى للحكم في مملكة مادي وفارس. وكما يخبرنا سفر دانيال، فإنه لم يكن معلماً، ولكن كان متحدثاً جريئاً عن الرب وحتى تنبأ عن قدوم المسيح.
هل بدأت بتكوين الصورة؟ دانيال عاش بين أكثر الأشخاص حكمةً في البلاد وعرَّف الأشخاص في دوائر تأثيره على وعود الله. وما هو مكان تأثير دانيال؟ بابل - الشرق.
كلمة من الملك القادم وجدت طريقها للشرق من خلال سبي شعب الله هناك، وما أن زُرعت هذه الأخبار في الشرق حتى نُقلت للأجيال لمئات السنين، وهناك ظهرت نجمة في إحدى الليالي وقادت رجال من المجوس الى بيت لحم. وخلال فترة مؤلمة من الحكم، الرب ما زال رحيماً وممسكاً زمام الأمور، يقود شعبه للأرض الجديدة حيث يمكنهم أن يبشروا برسالته لمن سيسمعها.
عاجلاً بعد البابليون، كانت سياسة مملكة مادي وفارس هي إرسال السبي مجدداً لموطنهم كما استخدم الله الملك كورش لإرجاع شعبه للأرض الموعودة، وهناك سيحكمون من قبل الإغريق والرومان، وهناك أيضاً ستأتي مجموعة من الرجال المشرقيين مُنقادين من نجمة لملاقاة الرب.
في النهاية، قد تبدو كل هذه الأحداث صدفة للبعض، ولكن لنا نحن الذين نعرف أن سيادة الله على العالم والذين يرون الأوقات التي فسر فيها الله استخدامه لأمم أخرى لتحقيق غايته في الكتاب المقدس، نحن نرى يد عظيمة تعمل. اضافة الى أن الهدايا التي قدمها المجوس كشفت عن حقيقة هوية المسيح وحياته، رحلتهم لبيت لحم تذكرنا بجمال قانون سيادة الله، بقصتهم، نرى كيف استخدم الله ممارسات عدداً من قوى العالم التي حكمت لمئات السنين والتي طوعت الظروف التي أدت لولادة ابنه وإيصال رسالته من خلال رجال من الشرق، الرسالة التي تؤكد على أن المسيح هو الشخص الموعود وهو أمل العالم.
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميس سلفيتي.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2016. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.
.This post was first published in 2016. To see the original English version, click here
*الرعاة كما نعرف من لوقا ٢ جاؤوا بعد ولادة المسيح مباشرةً وزَارُوه بينما كان في المذود. الدليل الأول أن المجوس جاؤوا بعدئذٍ هو في متى ١١:٢، مريم ويسوع - الذي أشاروا إليه بالصبي وليس الطفل كما في لوقا ٢ - كانوا في المنزل، لكن متى ٢ أيضاً يخبرنا أن قرار هيرودس بقتل جميع الأطفال من عمر سنتين وأقل كان مبني على المعلومات التي جمعها من المجوس عن النجم الذي ظهر لهم. لذا فإن من المفترض أن عمر يسوع سيكون أقرب الى عمر السنتين من عمر المولود الصغير، عندما وصل المجوس الى بيت لحم.
No comments:
Post a Comment