Wednesday, December 17, 2025

تمجيد أعظم إعلان تدريجي على الإطلاق

في منشور سابق، استعنّا بمقطع من مغامرات شرلوك هولمز لنتأمل في كيف أن إخفاء الله عنا معرفة مجريات حياتنا هو بالفعل بركة، بالرغم من أن مشاعرنا تكون عكس ذلك. لقد رأينا كيف أن الكشف التدريجي دليل على رحمة و نعمة الله في حياتنا. اليوم، أود أن أعيد النظر في هذه الفكرة لكن مع لمسة جديدة. أودّ أن أدعوكم للتأمل في كشف تدريجي أكثر إثارةً وروعةً من أي كشف آخر في تاريخ البشرية - الكشف التدريجي عن عيد الميلاد.

بالنسبة لأتباع يسوع، فإن قصة ميلاده مألوفة، لدرجة أنها قد تصبح مملة أو مبتذلة. مشاهد ميلاد المسيح، الترانيم، والملصقات التي تذكرنا بالسبب الحقيقي لعيد الميلاد - كل هذا قد يدفعنا إلى النظر إلى هذا الحدث التاريخي كحادثة معزولة منفصلة عن سياق التاريخ البشري. في بعض الأوساط المسيحية، هناك محاولة، وبحق، لربط عيد الميلاد بعيد الفصح، لإظهار كيف أن المهد يؤدي إلى الصليب، ولكن حتى هذا المنظور لا يفي بكامل عظمة مجيء المسيح.

إذا نظرنا إلى يسوع فقط في العهد الجديد، كشخص ظهر فجأة في بيت لحم خلال فترة حكم كيرينيوس، فإننا نغفل عن عظمة مجيئه وجلاله. لكن هو لم يظهر من العدم. مجيئه كان متوقع. 

كنا بحاجة إلى مُخلِّص؛ كان ذلك واضحاً. لقد دأب البشر على الكذب والقتل والغش والسرقة والتجديف، وارتكاب المعاصي الأخرى، منذ فجر التاريخ - منذ السقوط (خطيئة حواء وآدم في جنة عدن) تحديداً. وكان الله يعلم أننا سنحتاج إلى الخلاص، وقد وضع خطة مُحكمة حتى قبل أن يعصي أبوانا الأولان. كان بإمكانه أن يُرسل المُخلِّص فجأةً ذات يوم. كان له كل الحق في أن يقول ببساطة: "مفاجأة! بعد آلاف السنين، لديّ خبر - أنتم بحاجة إلى الخلاص، وها هو مُخلِّصكم". لكنه لم يفعل ذلك.

بدلًا من ذلك، لقد وظّف الكشف التدريجي. بدأ فور أن تجلّت حاجة البشر إلى مُخلّص. في تكوين 3: 15، نرى الوعد الأول من الله بشأن يسوع—بالوقت الذي فيه لم يعلموا أنه كان يسوع هو من وعد به الله. كانوا يعلمون فقط أن هناك نسلاً سيُهزم عدوهم اللدود. أما تفاصيل من، متى، أين، و كيف تُركت غير معلنة. 

على مدى آلاف السنين التالية، عبر مسار التاريخ الذي يغطيه العهد القديم، كُشِفَت تدريجياً أجزاء من خطة الله وهوية المخلص. ووقعت أحداث أخرى قدمت تنبؤات عن التضحية، الموت البديل والفدائي (مثل الكبش الذي ذُبح بدلاً من إسحاق في سفر التكوين 22، والفصح في سفر الخروج 12، والحية النحاسية في سفر العدد 21، وغيرها).

كُتبت قصائد تنبأت بصفات المخلص وتفاصيل وجوده على الأرض (أنظر إلى المراجع الثلاثة والعشرين التي تشير إلى المسيح في المزامير).[1] كما كشفت النبوءات عن جوانب من الخطة المستقبلية، مثل مجيء يسوع طفلاً رضيعاً (إشعياء 9: 6)، وولادته في بيت لحم (ميخا 5: 2)، وولادته من أم عذراء (إشعياء 7: 14). وتكشف 15 نبوءة أخرى في سفر إشعياء معلومات عن مجيء المخلص المنتظر.[2]

لم تُسهم هذه النبوءات والوعود في إثبات هوية يسوع فحسب—أنه من الله، ابن الله، والله نفسه—بل ساهمت أيضاً في تعزيز الترقب لمجيئه، بحيث الآن، ناظرين إلى الوراء، يمكننا أن نتعجب من مجيئه بشكل مضاعف. فعيد الميلاد، الذي يُعدّ في حد ذاته حدث عظيم لمجيء المخلص–الإله المتجسد–، هو أيضاً رائع لكونه تتويجاً لآلاف السنين من الترقب الذي تراكم عبر الكشف التدريجي المتقن من الله. وعندما ننظر إلى هذا الموسم من خلال هذه العدسة، نبدأ في استشعار عظمة عيد الميلاد.

نبدأ بفهم الدهشة الغامرة التي لا بد أن شعر بها سمعان، وهو الذي فهم الوعود وكان ينتظر طوال حياته أن يراها تتحقق، أن الله يسمح له بأن يشهد تحققها أمام عينيه وأن يمسك بالذي تنبأ به منذ آلاف السنين (لوقا 2: 22-35).

نبدأ بفهم الإثارة التي لا بد أن شعرت بها حنة عندما أخيراً كانت قادرة على أن تخبر الآخرين، من كانوا يشاهدون وينتظرون معها، بأن المخلص قد أتى—بالجسد! خطة الله قد انكشفت! (لوقا 2: 36-38).

نبدأ بفهم الفرحة الغامرة التي لا بد أن شعر بها زكريا عندما وُلد ابنه الذي طال انتظاره وعندما أدرك أن النبؤات التي قام بدراستها تتحقق وأن الله كان يستخدم عائلته للعب دور رئيسي في خطته الرئيسية للخلاص (لوقا 1: 67-79).

نبدأ بفهم السعادة الغامرة التي لا بد أن شعرت بها مريم عندما كانت تتهلل مع قريبتها أليصابات بأن الله لم ينسى وعوده لأسلافهم وهو يرسل المخلص أخيراً (لوقا 1: 54-56).

عندما نضع عيد الميلاد في سياق السرد الشامل للكتاب المقدس، نصبح مدركين لأهمية مجيء المسيح. وإلى جانب تسبيح الله الآب لإرساله ابنه، يمكننا أن نوسع نطاق تسبيحنا ليشمل التعبير عن الامتنان والدهشة للطريقة الرائعة التي سمح بها الله بتنفيذ خطته. 

ففي هذا الميلاد، دع أفكارك تنطلق في رحلة تتتبّع فيها مسيرة يسوع من جنّة عدن إلى الفلك، ومن جبال كنعان إلى مصر، ثم إلى البرّيّة، فَخيمة الاجتماع، فَأرض الميعاد، إلى حقل الملك الراعي، ثم إلى الهيكل، فَالسبي، فَأتون النار، فَوادي العظام اليابسة، ومن هناك إلى الناصرة، ثم إلى بيت لحم. وتأمّلْ نعمةَ الله ومجّدْها، تلك التي تجلّت في أعظم كشف تدريجي على الإطلاق.


كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ليلى عطالله.  تعديل من قبل حنين باشا.


This post was first published in 2020. To see the original English version, click here.

هذا المنشور تم نشره أولا في 2020. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.  


المصدر: Jane Morris
سمح بالنشر.



[1]
مزمور 2: 7 تحقق في متى 3: 17؛ مزمور 8: 2 تحقق في متى 21: 15-16؛ مزمور 8: 6 تحقق في عبرانيين 2: 8؛ مزمور 16: 10 تحقق في متى 28: 7؛ مزمور22: 1 تحقق في متى 27: 46؛ مزمور 22: 7-8 تحقق في لوقا 23: 35؛ مزمور 22: 16 تحقق في يوحنا 20: 27؛ مزمور 22: 18 تحقق في متى 27: 35-36؛ مزمور 34: 20 تحقق في يوحنا 19: 32-33، 36؛ مزمور 35: 11 تحقق في مرقس 14: 57؛ مزمور 35: 19 تحقق في يوحنا 15: 25؛ مزمور 40: 7-8 تحقق في عبرانيين 10: 7؛ مزمور 41: 9 تحقق في لوقا 22: 47؛ مزمور 45: 6 تحقق في عبرانيين 1: 8؛ مزمور 68: 18 تحقق في أعمال الرسل 1: 9-11؛ مزمور 69: 9 تحقق في يوحنا 2: 17؛ مزمور 69: 21 تحقق في متى 27: 34؛ مزمور 109: 4 تحقق في لوقا 23: 34؛ مزمور 109: 8 تحقق في أعمال الرسل 1: 20؛ مزمور 110: 1 تحقق في متى 22: 44؛ مزمور 110:4 تحقق في عبرانيين 5: 6؛ مزمور 118: 22 تحقق في متى 21: 42؛ مزمور 118: 26 تحقق في متى 21: 9
Nelson’s Complete Book of Bible Maps and Charts, 3rd ed. (Nashville: Thomas Nelson, 1996), 180.

[2]
إشعياء 9: 1-2 تحقق في متى 4: 13-16؛ إشعياء 9: 7 تحقق في لوقا 1: 32-33؛ إشعياء 40: 3-5 تحقق في يوحنا 1: 19-28؛ إشعياء 50: 6 تحقق في متى 26: 67؛ إشعياء 52: 13 تحقق في فيليبي 2: 9-10؛ إشعياء 52: 14 و 53: 2 تحقق في مرقس 15: 15-19؛ إشعياء 53: 5 تحقق في 1 بطرس 2: 24-25؛ إشعياء 53: 6، 8 تحقق في رومية 5: 6، 8 وكورونثوس الثانية 5: 21؛ إشعياء 53: 7-8 تحقق في مرقس 15: 4-5، يوحنا 10: 11، ويوحنا 19: 30؛ إشعياء 53: 9 تحقق في متى 27: 57-60 ويوحنا 19: 38-42؛ إشعياء 53: 10-11 تحقق في يوحنا 3: 16 و أعمال الرسل 16: 31؛ إشعياء 53: 12 تحقق في مرقس 27-28 و لوقا 22: 37؛ و إشعياء 61: 1-2 تحقق في لوقا 4: 18-19
Nelson’s Complete Book of Bible Maps and Charts, 3rd ed. (Nashville: Thomas Nelson, 1996), 207.