نُشر هذا المقال في الأصل بتاريخ 7 أكتوبر 2024.
يُصادف اليوم مرور سنة على اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل وسنة على تصاعد الأهوال التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. في نواحٍ كثيرة استمرت الحياة كالمعتاد حيث نعيش في الضفة الغربية، لكن في نواحٍ أخرى لم تكن الحياة طبيعية على الإطلاق.
عندما أعدّ وجبة مشبعة ومغذية، أو أحتضن زوجي، أو أشاهد ابنتي وهي تلعب براحة، تتجه أفكاري نحو أولئك الذين بالكاد يجدون ما يأكلونه؛ والذين لا يعلمون إن كانوا سيحتضنون أحبّاءهم الأسرى يوماً ما؛ أو الأطفال الذين مرّوا بصدمات تفوق ما قد يختبره معظم الناس خلال حياتهم كاملةً. وبينما أنام في سرير دافئٍ في منزل سليم، أفكّر بأولئك الذين هُدمت بيوتهم أو قُصفت أو أصبحت غير صالحة للعيش، والذين يعيشون الآن في خيام، يحاولون النجاة وتوفير ما يسدّ احتياجهم، والخروج من هذه الحرب على قيد الحياة، وإن لم تعود الأمور كما كانت أبداً.
إن بشاعة طرق الموت التي نسمع عنها حتى عن بعض من نعرفهم والإصابات التي تغيّر حياة أصحابها إلى الأبد، والإذلال والإساءة والمستوى المعيشي الذي لا يُصدّق والذي يتحمّله هذا العدد الهائل من الناس كافية لتجعل صدري وحلقي يضيقان وتُغرق عينيّ بالدموع إذا ما فكّرت بها لوقتٍ كافٍ. نُصلّي أن يتوقف هذا العذاب، وأن تنتهي الحرب، وأن تزول أشكال القمع والعنف. ومع ذلك، فإن الصلاة بحد ذاتها قد تصبح مرهقة، لأنها تتطلب التفكير مراراً وتكراراً في هذه المآسي.
مع ازدياد ثقل هذا العبء خلال السنة الماضية، وجدتُ نفسي أصارع لأفهم كيف أعيش أيامي كتلميذة ليسوع وسط هذا الظلام. كيف أظلّ ثابتة في الصلاة حين يكون الحمل بهذا الثقل؟ كيف أُظهر صلاح الله لمجتمعنا بينما تبدو الظروف من حولنا بعيدة كل البعد عن الصلاح؟ كيف أُحبّ أعداءنا؟ كيف أُصلّي لأجل الذين يضطهدوننا؟ كيف أُجيب بلُطف على من يجهلون ماذا يحدث؟ كيف أعيش بسلام خلال فترة الحرب؟
إيجاد التوازن بين حمل الأسى على قبح الشر وبين الاستمتاع بجماليات ما زالت حاضرة في حياتنا بفضل النعمة هو رحلة يومية. فتبنّي موقف واحد فقط يبدو غير معقول؛ فلا أستطيع ببساطة أن أستمتع براحة حياتي وأغضّ الطرف عن المعاناة الهائلة القريبة منّي – جغرافياً وعاطفياً. وفي الوقت نفسه، لا أستطيع أن أقضي أيامي منحنية تحت وطأة الحزن والإحباط واليأس، رافضة أن أقبل البركات التي وُهبت لي أو أن أفرح بها. فكيف يبدو الأمر إذن حين أحمل كلا الأمرين معاً؟
كما حدث مرات عديدة من قبل، أظهر الله أمانته في توقيته المثالي، من خلال غنى كلمته، وحكمة أبنائه.
في وقتٍ سابق من هذا العام، بدأنا بدراسة سفر دانيال في مجموعة الحياة التي نقودها أنا وزوجي في كنيستنا. وفي الشهر الماضي، وبينما كنتُ في ذروة صراعي الذي تحدّثتُ عنه، وصلنا إلى الإصحاحات ٧ إلى ٩ — وهي من أكثر الإصحاحات صعوبة وتعقيداً في الكتاب المقدّس. ومع ذلك، أشعر بامتنان عميق لأننا تشجعنا على الاستمرار في دراستها والتعمّق فيها في هذا الوقت بالتحديد. في منتصف هذه الإصحاحات الثلاثة، وفي نهاية الإصحاح الثامن، يوقف دانيال سرده للرؤيا بملاحظة حول تأثيرها عليه: "وَأَنَا دَانِيآلَ ضَعُفْتُ وَنَحَلْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ قُمْتُ وَبَاشَرْتُ أَعْمَالَ الْمَلِكِ، وَكُنْتُ مُتَحَيِّرًا مِنَ الرُّؤْيَا وَلاَ فَاهِمَ." (دانيال ٨: ٢٧).
أنا أيضاً مرضت خلال الأسبوع الذي كنّا ندرس فيه هذا المقطع الكتابي، وكنا نمزح بأن هذه المعلومة كان لها نفس التأثير عليّ كما كان على دانيال. لكن لم يكن المرض الجسدي وحده هو ما جعلني أرى صلة بين دانيال وبيني.
كتب دانيال ل. أكين (Daniel L. Akin) تفسيراً لهذه الآيات، وكان لدى تفسيره تأثيراً عميقاً علي: «ما رآه دانيال واستوعبه أنهكه تماماً. لقد كان أمراً مرهقاً على المستوى الشخصي. [...] لقد دمرته تماماً الرؤيا في الإصحاح الثامن؛ كانت أثقل من أن يحتملها» (1). وبالمثل، فإن ما رأيته واستوعبته، ليس في رؤيا مستقبلية بل في واقع حاضر يبدو في أحيان كثيرة مرهقاً وأثقل مما أستطيع احتماله (ومع ذلك، لا يُقارن بما اختبره الآخرون بالفعل، ومعرفة ذلك مؤلم جداً).
لكن Akin يكمل قائلًا: "لقد تعزّى دانيال بحقيقة أن الله هو المتحكّم، وأن ملكوته سيأتي في النهاية (الجزء الثاني من الآية 25)، لكن معرفة أن العالم سيشهد كل هذا الشر، ومعاناة شعب الله قبل مجيء الملكوت، كان أمراً يفوق الاحتمال"(1).
وأنا أيضاً أجد عزائي في معرفة أن الله هو المتحكِّم، وأن ملكوته قد أتى جزئياً وسيأتي بالكامل في النهاية. لكنني، مثل دانيال، أجد أن رؤية هذا الكم من الشرّ في العالم، وهذا القدر من المعاناة التي يتحملها خلق الله والمخلصين بدمه، أمر يفوق التصوّر أحياناً.
ويُتابع التفسير قائلًا: "لقد مضى مرض دانيال. كانت نعمة الله كافية له. وبعد أن استعاد قوّته، نهض نبيّ الله وعاد إلى عمله كما اعتاد […] وقد أحسن سنكلير فيرغسون (Sinclair Ferguson) التعبير حين قال: "عاد إلى الواجبات التي دعاه الله إليها. لم يعتزل العالم خوفاً من الأيام الشريرة القادمة. ولم يسلك طريقاً معاكسا ليعيش في حماسة "عالية". بل قام بواجبه" (1). لقد جسّد دانيال هذه الثنائية: أن يشعر بالإنهاك من شدة المعاناة، ومع ذلك يواصل مسؤولياته اليومية بقوة من الله. حتى عندما لم يفهم، نهض وبدأ بالعمل.
يقتبس Akin مجدداً من Ferguson قائلا: "فكيف يجب أن نعيش إذاً؟ انشغل بأعمال الملك (الملك السماوي)؛ سِر في الطاعة؛ عِش في القداسة؛ طهِّر نفسك كما هو طاهر." ثم يختم Akin قائلا: "لقد أزعجت الرؤيا دانيال بشدة، ولم يستطيع فهمها. ومع ذلك، لم يسمح لها أن تشله. قام بعمله، ووثق في إلهه. لقد كان مثالاً لنا جميعاً"(1). وكم أنا ممتنة لهذا المثال.
كم يريحني أن أتذكر أن العيش في هذا التوتر ليس أمرا خاص بي وحدي، وأن أرى كيف تعامل نبي سار قبلي مع الحياة اليومية وهو مُدركٌ لمخاوفٍ مُرعبة. لا بأس أن أشعر بالإرهاق، ولا بأس ألا أفهم كل شيء. ولا بأس إن كانت هناك أيام يبدو فيها القيام بواجباتي المتنوعة أمر صعب في ظلّ هذا الشرّ العظيم لأن نعمة الله تكفي، وقوّته تَظهر في ضعفي (رسالة كورنثوس الثانية ١٢: ٩).
كما تقول غلوريا فورمان (Gloria Furman): "لأن المسيح اخترق قيود الموت المُدمّرة إلى حياة القيامة الأبدية، فإن المعاناة ليست نهاية قصّتنا"(2). ويمكنني أن أتمسك بهذه الحقيقة حتى وإن كانت المعاناة تُحيط بي حرفياً. يمكنني أن أستند على قوّته عندما لا أفهم، وحين أشعر بأنه مغلوب على أمري وأتذكر أنه قد وهب لي ولكل من يؤمن به ويتبعه حياةً وافرة.
لذا، وعلى الرغم من أنني لا أملك كل الأجوبة بعد، إلا أنني أشعر بسلام متجدد سلام مبني على ثقتي بأنني أستطيع الاعتماد على الله الروح ليقودني ويقويني وعلى الله الابن ليشفع من أجلي، وعلى الله الآب ليحتملني بصبر ويعاملني بنعمة بينما أسعى أن أعيش في طاعة لدعوتي: لأُعرِّف الناس عليه وأمجده في بيتي، وكنيستي، ومجتمعي، ومنطقتي، والعالم من حولي. وإلى أن يأتي اليوم الذي فيه يُبيد الله الشرّ نهائياً سأواصل المسير، وأُظهر محبته وأشارك البشارة السارة: أن رئيس السلام حيّ، ويعطي ما هو أفضل بكثير مما يمكن لهذا العالم أن يعطي.
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميار مسلّم. تعديل من قبل حنين باشا.
This post was first published in 2024. To see the original English version, click here.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2024. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.

مصادر الاقتباسات:
1. Daniel L. Akin, Christ-centered Exposition: Exalting Jesus in Daniel (Nashville: Holman Reference, 2017),104-105.