العديد من الناس على علم بما حدث في سفر خروج عندما حرر الله شعب إسرائيل من العبودية في مصر، لكن غالباً ما تقتصر الرواية على العناوين العريضة، فنقفز من مشهد العليقة المشتعلة إلى الضربات، ثم إلى شق البحر الأحمر. لذا، لنتوقف ونتأمل بعمق في تسلسل الأحداث…
بعدما قتل موسى الرجل المصري وهرب للبرية، التقى بالله عند العليقة المشتعلة وتلقى أمر العودة إلى مصر ومواجهة فرعون والمطالبة بإطلاق سراح بني إسرائيل من عبوديتهم التي استمرت 400 عام. أطاع موسى أمر الله، ولكن بعد أن جادله في شأن عدم كفاءته لهذا الدور البارز، ثم جمع عائلته وانطلق عائداً إلى مصر.
الحدث المحوري التالي البارز الذي ننتقل له في القصة هو الضربات التي أرسلها الله على المصريين عندما قام فرعون أكثر من مرة برفض سماع أوامر الله كما نقلها له موسى وأخوه هارون (كما كان متوقعاً إذ أن الله أنذر موسى مسبقاً بأن هذا سيحدث). وفي نهاية المطاف، وبعد الفصح الذي وفّر فيه الله وسيلة خلاص لبني إسرائيل من ملاك الموت الذي قضى على كل بكر من الذكور، سمح فرعون أخيراً للإسرائيليين بالخروج. لكن ذلك لم يتم دون أن يتراجع مجدداً عن قراره، فلاحقهم حتى البحر الأحمر، حيث شقّ الله البحر ليعبر بنو إسرائيل بأمان، ثم أغرق جيش فرعون في المياه.
ولكن ما بين العليقة المحترقة والضربات هناك الإصحاح الخامس من خروج، والذي يحوي درس مهم إذا ما توقفنا عنده وقت كافي للتمعن. كان موسى وأخوه هارون في زيارتهم لفرعون ليطلبوا إذن للإسرائيليين ليذهبوا للبرية ليقدموا الذبائح للرب. في ذلك الوقت، كان فرعون يُكلِّف بني إسرائيل بمهمة شاقة للغاية وهي صناعة اللِّبْن من التِبْن الذي كان يُوفَّر لهم (صناعة الطوب من القش، بحيث أن المصريين كانوا يوفرون القش للإسرائيليين). قد رأى فرعون أن طلب الإخوة هو حيلة تهدف إلى إعفاء عبيده من الأعمال المجبرين عليها لعدة أيام. ورداً على ذلك، لم يرفض فرعون الطلب فحسب، بل أمر بأن يُجبَر بنو إسرائيل على جمع التِبْن بأنفسهم، مع إبقاء نفس الكمية اليومية من اللِّبْن.
الإسرائيليين كانوا غاضبين وقد صبوا جام غضبهم على موسى وهارون: "فَقَالُوا لَهُمَا: «يَنْظُرُ الرَّبُّ إِلَيْكُمَا وَيَقْضِي، لأَنَّكُمَا أَنْتَنْتُمَا رَائِحَتَنَا فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ عَبِيدِهِ حَتَّى تُعْطِيَا سَيْفًا فِي أَيْدِيهِمْ لِيَقْتُلُونَا»." (خروج 5: 21). كان قد عاد موسى ليطلق شعبه وبدلاً من ذلك وجد أن تصرفاته –التي كانت طاعة لله– قد جلبت له صعوبات أعظم. كيف يمكن أن يعقل ذلك؟ الطاعة يجب أن تجلب البركة، أليس ذلك؟
لقد فعل موسى ما يمكن لأي شخص أن يفعله في هذا الموقف. لقد عمل ما طلب الله منه، والآن الناس الذين كان يحاول مساعدتهم انقلبوا عليه لذا "رَجَعَ مُوسَى إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هذَا الشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ فَإِنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ لأَتَكَلَّمَ بِاسْمِكَ، أَسَاءَ إِلَى هذَا الشَّعْبِ. وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ»." (خر 5: 22-23).لا أعلم عنك ولكن بالنسبة لي هذا بالضبط ما يمكنني قوله إذا فعلت ما طلبه مني الرب ووجدت أن له تأثير عكسي لما توقعته.
اليوم، لدينا ميزة أننا نعرف ما حدث بعد ذلك، ونعلم كيف وفى الله بوعده وخلّص بني إسرائيل من العبودية. لكن من المهم ألا نقفز مباشرة إلى نهاية القصة، بل أن نتأمل في نهاية الإصحاح الخامس. لقد أطاع موسى، وتحمل مخاطرة كبيرة، ومرّ باضطرابات هائلة ليقوم بما أمره الله به. ومع ذلك، وجد نفسه أمام واقع لا يشبه أبداً ما وعده الله به. لم يكن هناك خلاص، بل ازداد الظلم سوءاً. كان من السهل عليه في تلك اللحظة أن يستسلم، وأن يدير ظهره لله، ويقول: "لا جدوى من الاستمرار، من الواضح أنني كنت مخطئ في ظني أن الأمور ستتحسن." لكن موسى، حين حمل شكوكه وإحباطه إلى الله، أبقى قلبه مفتوحاً ليسمع إجابة.
بعدما واجه موسى الرب قائلاً " أَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ" (خر 5: 23)، جاء ردّ الله بكلمة لافتة: "الآن". "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «الآنَ تَنْظُرُ مَا أَنَا أَفْعَلُ بِفِرْعَوْنَ. فَإِنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ يُطْلِقُهُمْ، وَبِيَدٍ قَوِيَّةٍ يَطْرُدُهُمْ مِنْ أَرْضِهِ» (خر 6: 1). لم يكن الأمر أن الله قد أخلف وعده، بل إن عمله لم يكن قد اكتمل بعد.
عندما ظهر الله لموسى في العليقة المشتعلة (خروج 3)، أخبره أن فرعون لن يسمح بخروج الشعب في البداية. وأثناء الطريق إلى مصر (خروج 4)، أنذره الله بالضربة الأخيرة وهي موت بكر فرعون. لكن الله لم يحدد توقيت حدوث هذه الأمور. لم يعطِ الرب وعد بأن الأمور لن تزداد سوءاً قبل أن تتحسن، وكان على موسى أن يثق بأن ما أعلنه الله سيحدث.
الرب برحمته التقى مع موسى عند نقطة الشك وذكّره بعلاقته الطويلة مع الشعب بدءاً من إبراهيم وإسحق ويعقوب. تكلم الرب مع موسى بصيغة الماضي "وَأَنَا ظَهَرْتُ .."، "أَقَمْتُ مَعَهُمْ عَهْدِي .." وبصيغة الحاضر "أَنَا الرَّبُّ .." وبصيغة المستقبل "وَأَنَا أُخْرِجُكُمْ .." و"أُنْقِذُكُمْ .." و"أُخَلِّصُكُمْ .." مؤكداً له عظمة قدرته وأمانته عبر العصور، ومبيناً له أنه حلقة صغيرة ضمن قصة كبرى تحكي علاقة الله بالإنسان (خروج6 :2-8). مع هذا التذكير عزّز الرب إيمان موسى، فاختار أن يستمر في السير بطاعة لله، رغم أن بني إسرائيل لم يقتنعوا بكلامه (خروج 6: 9). ومع ذلك، اختار أن يثق بالله ويأخذ كلامه على محمل الجد.
من خلال ما جاء في تيموثاوس الثانية 3: 16، نعلم أن "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ نَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ". لا يسعني إلا أن أعتقد أن الأهداف من إدراج الإصحاحين الخامس والسادس من سفر الخروج هم مساعدتنا على النمو في الإيمان، تذكيرنا بأمانة الله في وعوده، وتشجيعنا عندما تبدو الأمور وكأنها تزداد سوءاً بعد الطاعة. خطة الله لا يمكن أن تفشل. وأمانته لا تتزعزع. دورنا أن نبقى ثابتين في الطاعة، مهما كانت العواقب، لكي نعكس صلاح الله، ومجده، وصدق وعوده أمام العالم.
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميس سلفيتي. تعديل من قبل حنين باشا.
.This post was first published in 2021. To see the original English version, click here
هذا المنشور تم نشره أولا في 2021. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.
