Wednesday, May 21, 2025

محبة الله تتجلى في الشريعة

خلال نقاشات تدور حول الكتاب المقدس أو عن الله، في كثير من الأحيان يظهر تباين بين العهد القديم والعهد الجديد، إذ يتم الادعاء بأن كلاً منهما يُظهر جانب مختلف من طبيعة الله. ويعبّر عن هذا التباين غالباً ب الشريعة (الناموس) في العهد القديم مقابل المحبة في العهد الجديد، أو الدينونة في العهد القديم مقابل النعمة في العهد الجديد. 

كون أن دينونة الله تظهر بوضوح في العهد القديم، هل يعني ذلك غياب محبة الله؟ لا اعتقد ذلك. في الحقيقة، هناك أمثلة كثيرة على محبة الله في العهد القديم، بدءاً من وعد الله بمخلص الذي سيرفع اللعنة في سفر تكوين إصحاح 3. ولكنني أعتقد أن أحد مظاهر المحبة الإلهية التي يتم تجاهلها بشكل كبير نجدها في الشريعة نفسها.

لفهم الفكرة بشكل كامل، من المهم أن نتعرف على ثقافة الشرق القديم أي الشعوب التي عاصرت بني إسرائيل. انغمس أهل بلاد ما بين النهرين في منظور عالمي تتعدد فيه الآلهة، وكانوا منشغلون دوماً في إرضاء آلهتهم. اعتقدوا أن الهدف من وجودهم هو ضمان رضا الآلهة، إلا أنهم لم يعرفوا أبداً ما يلزم لضمان رضاهم. وهكذا، كانوا مستعبدين. ولكن يهوه، إله الكتاب المقدس، لم يكتف فقط بالتنازل للتواصل مع شعب إسرائيل، بل بيّن لهم بوضوح تام معاييره شفهياً وكتابياً (تثنية 5: 22)، بدلاً من أن يتركهم في حيرة. 

«إِنَّ هذِهِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ لَيْسَتْ عَسِرَةً عَلَيْكَ وَلاَ بَعِيدَةً مِنْكَ لَيْسَتْ هِيَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَصْعَدُ لأَجْلِنَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟ وَلاَ هِيَ فِي عَبْرِ الْبَحْرِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَعْبُرُ لأَجْلِنَا الْبَحْرَ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟ «اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ" (تثنية 30: 11- 15). 

بكلمات أخرى، الله جعل الشريعة متاحة لهم، وأعطاهم خياراً واضحاً بدلاً من أن يتركهم لتخمين مصيرهم. ويُظهِر هذا، في نظري، محبة الله. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد.

كما اتضح جلياً، فإن معيار الله في حفظ وتحقيق الشريعة و "الرجوع إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ" (تثنية 30: 10)، كان شبه مستحيل أن يتحقق دون تدخُّل خارجي. فمهما بذلوا من جهد، لم يستطع بنو إسرائيل أن يلبّوا متطلبات إله قدوس، إذ كانت قلوبهم ميالة إلى التمرّد ومتقسية في اللامبالاة.

وهكذا أصبحت الشريعة تذكير مستمر أن الشعب بحاجة الى مساعدة. وكما كتب بولس في رسالة رومية 7: 7 و3: 20 " بَلْ لَمْ أَعْرِفِ الْخَطِيَّةَ إِلاَّ بِالنَّامُوسِ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ." فلو لم يمنح الله شعبه الشريعة، لما كانوا حتى على وعي بأنهم ماضون نحو انفصال أبدي عنه! ومن خلال إعلانه للشريعة، أظهر الله محبته – فهو أيقظ شعبه لحقيقة أن نفوسهم في خطر شديد. ولكن، مرة أخرى، لا يتوقف الأمر عند هذا الحد.

بعدما أن أعلن الرب عن معاييره وكشف لشعبه عجزهم عن الوصول إليها، وَعَدَ بحل إلهي: "وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ، لِكَيْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَيَحْفَظُوا أَحْكَامِي وَيَعْمَلُوا بِهَا، وَيَكُونُوا لِي شَعْبًا، فَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا." (حزقيال 11: 19-20).

هذا الوعد تحقق في شخص يسوع المسيح، هو الله ذاته الذي تجسد (وُجِدَ في هيئة إنسان) لكي يعيش الحياة التي عجز الجميع عن عيشها — الحياة التي تُحقق تماماً معايير الله. وبعد أن عاش تلك الحياة الكاملة، بذل نفسه — وهو البريء الكامل — وضحّى بها، حاملاً في جسده دينونة الله الكاملة، تلك التي يستحقها كل من أَخفق في بلوغ المعيار الإلهي.

ومن ثم قام من بين الأموات ليقبله الآب السماوي في الأمجاد وليمنح جميع الشعوب ومنهم بني إسرائيل فرصة الحصول على التبرير من خلال حياته الكاملة التي عاشها. لذا، الاعتراف بالعجز عن بلوغ معايير الله – أي الطاعة الكاملة للشريعة – والتخلي عن الطريق الأناني المتكبر، والإيمان بأن حياة الرب يسوع المسيح وموته وقيامته كافية للخلاص، هو الطريق لننال – بقوة الروح القدس – ذاك القلب الجديد الذي يمنحنا أن نعيش وفقاً لمشيئة الله. 

وهكذا أظهر إله الكتاب المقدس – في عهديه القديم والجديد – محبته من خلال إعلانه عن الشريعة، وكشْفِه لحالة نفوس الناس، وتوفيره الطريق لتحقيق معاييره مرة واحد وللأبد. لكن الأكثر روعة هو إدراك أن هذه المحبة لم تقتصر على شعب إسرائيل فقط!

هذه الشريعة أُعلنت لنا أيضاً، ولا تزال تكشف بفعالية عن حالة قلوبنا! كما أن تضحية المسيح، التي استوفت غضب الله تجاه الخطيئة وحققت المعيار الإلهي، لا تزال كافية وفعّالة لخلاصنا. 

ما أعظمها من محبة لا نظير لها! هل اختبرتها أنت شخصياً؟

كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميار مسلّم.  تعديل من قبل حنين باشا.


This post was first published in 2016. To see the original English version, click here.

هذا المنشور تم نشره أولا في 2016. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.