عندما تفكر بالله، هل تتصور أنه كائن عالٍ وسامٍ وقدير بعيد كل البعد عنك ومنفصل؟ أو كأب معزي ومريح ودائماً قريب؟ هل سبق لك أن فكرت بأنه كلاهما؟
عندما ننظر إلى ما يقوله الله لنا عن نفسه في الكتاب المقدس، نرى أن كلا الوصفين صحيحان. وللتعبير عن هذين الجانبين من طبيعة الله، نقول إنه متسامٍ وقريب في الوقت ذاته. أي أنه في آنٍ واحد، متعالٍ عن خليقته، وقريبٌ منها قرباً شديداً.
أحد المقاطع التي اعتقد بأنها تكشف بشكل جميل هذا التعقيد في العلاقة الثنائية هي في مزمور 147: 3-4
يَشفي المُنكَسِري القُلوبِ،
ويَجبُرُ كسرَهُمْ.
يُحصي عَدَدَ الكَواكِبِ.
يَدعو كُلَّها بأسماءٍ.
للوهلة الأولى يبدو أن الآية 3 تعبّر عن قرب الله، بينما تشير الآية الرابعة إلى سموّه. تجلب صورة الراحة والعناية إحساساً بقرب الله بينما الحديث عن النجوم يجلب إحساساً بالعظمة والتعالي. كأننا نبدأ الآيتين ونحن مغطون بلحافٍ دافئ، في حالة من الراحة بعد ألم، ثم فجأة نُقذف إلى الفضاء الخارجي، إلى اتساع الكون. رؤيتنا تتسع من المجهر إلى المجرات والفضاء في لحظات قصيرة.
لكن عند التأمل في الآيتين معاً، نرى أنهما تكشفان لنا صفتين من صفات الله: القرب والسمو. ومع ذلك، فإن كل آية بمفردها تحمل في طيّاتها هذين الجانبين أيضاً. لنرى كيف:
"يَشْفِي الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، وَيَجْبُرُ كَسْرَهُمْ" (مزمور 147: 3).
نعم، هذه الآية تُظهر لنا قُرب الله. فهو يقترب منّا، يدخل في فوضى جراحنا، ويُمسك بنا وسط أوجاعنا، يُنظف الدم، ويضمد الجراح. ولكنه لا يتوقف عند هذا الحد. إنه لا يكتفي بالمواساة؛ بل يشفي. يأخذنا من مرحلة الجراح المفتوحة، إلى الندوب، ثم إلى الشفاء التام. وهنا يظهر سموّه.
يمكن للبشر الآخرين من حولنا مساعدتنا في التغلب على الألم إلى حد ما. يمكنهم تقديم التشجيع والدعم ومساعدتنا على الوقوف بقوة. لكن الله وحده هو القادر على الشفاء. هو وحده القوي والحكيم ليشفي بالكامل الجسد والنفس والروح.
يُحصي عَدَدَ الكَواكِبِ. يَدعو كُلَّها بأسماءٍ. (مزمور 147: 4)
نعم، هذه الآية تُظهر سمو الله. فهو يتجاوز إدراكنا لدرجة أنه يُحدد عدد النجوم في الكون. هذا يعني أنه يخلقها ويحفظها ويُحصيها أيضاً. ولكن لا يتوقف الأمر عند التنظيم والإحصاء، بل يُعطي كل نجم اسم. وهنا يظهر قُربه.
الأسماء أمر شخصي: فهي تتعلق بالهوية، وتشير إلى العلاقة. عندما ترغب في التعرّف على أحد، تبدأ بسؤاله عن اسمه. مناداة شخص باسمه يُظهر أنك تراه وتقدّره، ولكن منح الاسم لشخصٍ ما هو فعل أعمق بكثير من مجرد التعرّف عليه. لذا، عندما يُسمّي الله النجوم، فإنه يُظهر أنه منغمس في وجودها، ليس فقط خالقها، بل أيضًا الذي يحدد هويتها ويستمر في حفظها.
تذكرنا هذه الآيات أن الله هو سامٍ بشكل كامل وقريب بشكل حميم. هو قدوس وقوي ولكنه أيضا حنون ورحيم. ربما لهذا السبب بدأ كاتب المزمور بهذه الكلمات:
سبِّحوا الرَّبَّ،
لأنَّ التَّرَنُّمَ لإلهِنا صالِحٌ.
لأنَّهُ مُلِذٌّ. التَّسبيحُ لائقٌ
مزمور 147: 1
التسبيح لائق حقاً، لأنه عالي جداً بما يكفي ليرى ويعرف كل شيء وقريب منا بما يكفي ليحملنا، يشفينا، ويسد احتياجاتنا العميقة.
مجداً للرب! لا مثيل له!
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميار مسلّم. تعديل حنا باشا وحنين باشا.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2017. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.
This post was first published in 2017. To see the original English version, click here.
