من المحتمل أنك سمعت عن بيت لحم. سواء من خلال غناء ترانيم عيد الميلاد أو من خلال سماع قصة ميلاد يسوع، فغالباً إذا نشأت في مجتمع مسيحي، فقد سمعت على الأقل عن هذا المكان. ولكن ما مقدار ما تعرفه عنه حقاً؟ هل تساءلت يوماً لماذا، من بين كل الأماكن التي كان من الممكن أن يولد فيها يسوع، وُلد هناك؟ إذا كنت تعرف الكتاب المقدس، قد تفكر، "حسناً، وُلد هناك لأنه كان هناك نبوءة أنه سيولد هناك." صحيح، ولكن لماذا كانت بيت لحم هي المكان الذي تنبأت به النبوءة؟ هل كانت مجرد مدينة عشوائية؟
مثل العديد منكم، كنت أعرف بوجود بيت لحم طوال حياتي تقريباً، ولكن في عام 2019 تمكنت أخيراً من زيارتها، والآن أعيش على بُعد 22 كيلومتر فقط من هناك. إن العيش في الأرض المقدسة يجعل الأشياء "الصغيرة" في الكتاب المقدس التي نميل إلى تجاهلها بسبب عدم معرفتنا بمعناها أو سياقها، تبرز بطريقة ما - أشياء مثل مكان وقوع أحداث مختلفة. على سبيل المثال، هل أدركت أن راعوث قابلت بوعز في بيت لحم؟ لقد أدركت هذه الحقيقة في وقت سابق من هذا الشهر وأنا أقرأ سفر راعوث للمرة الألف. وهذه الحقيقة، تعد رائعة للغاية لعدة أسباب، ودفعتني إلى البحث عما حدث في بيت لحم. وكما اتضح، حدث العديد من الأمور.
في الواقع، يرجع أول اكتشاف لي إلى إحدى عظات قسيس كنيستنا التي ذكر فيها أن اسم بيت لحم في العبرية هو مزيج من كلمتي بيت + لحم، والتي تعني حرفيًا "بيت الخبز". في العصور القديمة كانت الأسماء مهمة ولم تكن تُعطى عشوائياً، لذا فمن المعقول أن نفترض أن بيت لحم كانت معروفة بالخبز أو على الأقل مرتبطة به بطريقة ما. وبالتالي، يمكننا القول إن الخبز خرج من بيت لحم.
إن أول مرة ذُكرت فيها بيت لحم في الكتاب المقدس كانت في سفر التكوين إصحاح 35 عندما ماتت زوجة يعقوب الحبيبة راحيل، أم يوسف وبنيامين، أثناء الولادة ودُفنت "في طريق أفراتة (أي بيت لحم)" (الآية 19). وهذا، أول ذِكر لبيت لحم، نجد أنها مكان مرتبط بالحزن، وهو نوع خاص جدًا من الحزن مرتبط بالسقوط: الموت بسبب صعوبة الولادة.
وتم ذكر "بيت لحم" للمرة الثانية في يشوع 19، بينما كان يتم تقسيم الأرض بين القبائل. ومع ذلك، فإن بيت لحم المذكورة هنا هي مكان مختلف. إنها ليست بيت لحم أفراتة، بل هي بيت لحم التي في الجليل (الشمال) والتي كانت جزءً من حصة سبط زبولون. يُعتقد أيضاً أن الذكر التالي لبيت لحم والذي يشير إلى بيت لحم زبولون وليس يهوذا، يظهر في سفر القضاة 12 عندما تم تحديدها على أنها مسقط رأس القاضي إبصان.
ولكن بيت لحم التي ولد فيها يسوع تظهر مرة أخرى في سفر القضاة 17 باعتبارها موطن اللاوي الذي أصبح كاهناً لرجل يُدعى ميخا الذي بنى بيتاً لصنم. وكان اللاويون هم القبيلة الوحيدة التي تشتتت في جميع القبائل الأخرى في إسرائيل لتخدم ككهنة للرب، لذا فليس من غير المعتاد أن يأتي هذا اللاوي من أراضي قبيلة يهوذا. ولكن ما هو غير عادي هو أنه ترك يهوذا وكان "يقيم" في أفرايم، وهي قبيلة مركزية، لسبب غير معروف. وعلاوة على ذلك، انتهى به الأمر إلى عصيان أمر الله مرتين. أولاً، أصبح شريكاً في امتلاك التماثيل المنحوتة، مخالفاً بذلك وصية الله بعدم عبادة الأصنام. لكنه تخلى أيضاً عن دعوة الله المحددة لحياته كلاوي لتسهيل عبادة الإله الواحد الحقيقي وبدأ بدلاً من ذلك في خدمة إله زائف وتسهيل عبادته. وهكذا، خرج من بيت لحم كاهن غير أمين.
بعد بضعة فصول، في سفر القضاة 19، نلتقي بحدث آخر مزعج يتعلق ببيت لحم. يُوصَف اللاوي في هذا الإصحاح بنفس الطريقة التي وُصِف بها اللاوي في الإصحاح 17، على الرغم من أنه غير الواضح إذا ما كانا نفس الشخص أم لا. بغض النظر عن ذلك، يتخذ اللاوي زوجة/جارية من بيت لحم يهوذا ويأخذها إلى حيث يقيم في أفرايم. حيث تصبح غير مخلصة له وتتركه لتعود إلى بيت لحم، وعند هذه النقطة، بعد بضعة أشهر، يذهب "ليكلمها بلطف ويعيدها". يتم الترحيب به في منزل حماه ويبقى لعدة أيام قبل أن يغادر مع زوجته في رحلة العودة إلى أفرايم. في الطريق، توقفوا لقضاء الليل في بلدة تسمى جبعة حيث، باختصار، تعرضت المرأة للاغتصاب والقتل بينما لم يفعل زوجها شيئًا ليوقف ذلك. وعندما وجدها ميتة في الصباح، حمل جسدها إلى أفرايم حيث شرع في تقطيعه إلى اثنتي عشرة قطعة وأرسله إلى جميع أنحاء الأمة ليُعلِنوا عن الأمر الرهيب الذي ارتكبه أهل جبعة، والذي أدى إلى عقابهم. وهكذا خرجت من بيت لحم زوجة خائنة وزوج غير حامي وقصة أخرى من الحزن.
بعد ذلك تأتي راعوث. وتعرّف بيت لحم اليهودية على انها مسقط رأس رجل آخر يقيم في مكان آخر، أليمالك زوج نعمي، عندما مات أليمالك وابناه في موآب (الأردن اليوم)، عادت نعومي وكنتها راعوث إلى بيت لحم حيث كان بوعز، قريب العائلة الذي سيخلصهم. حيث تزوج راعوث ليحمل اسم العائلة، وفي نهاية السفر نتعلم أن راعوث وبوعز من بيت لحم أصبحا أجداد داود. وفي سفر صموئيل الأول، يعرّف داود على أنه الابن الأصغر لأبيه الذي يعمل راعياً والذي اختاره الرب ليكون ملكاً على إسرائيل. وهكذا، خرج من بيت لحم ملك راعٍ.
في أماكن ذكر بيت لحم التالية لم يتم تحديد على أنها بيت لحم اليهودية، على الرغم أنه من المرجح أن بيت لحم اليهودية هي المذكورة. عسائيل ابن أخت داود أخ يوآب، قائد جيش داود، وواحد من أحد رجال داود الأقوياء، قتل على يد عدوٍ لداود ودفن في قبر والده في بيت لحم (أخبار الأيام الأول 2 : 16 , و صموئيل الثاني 2)، أيضا هناك رجلان آخران يدعيان ألحانان الذان كانا أيضا من بين أشد مؤيدي جيش داود هم من بيت لحم (صموئيل الثاني 23: 24 , صموئيل الثاني 21: 19) وهكذا، خرج من بيت لحم محاربون أقوياء.
في سفر صموئيل الثاني 23 وسفر أخبار الأيام الأول 11، نجد قصة صراع داود مع شعب الكنعانيين القدماء، الفلسطينيين، الذين كان لهم موقع عسكري في بيت لحم. كان داود يتوق إلى الحصول على الماء من البئر في بيت لحم (من المفترض أنها البئر في يهوذا التي هي مسقط رأسه)، فقام ثلاثة من رجاله الأقوياء باختراق صفوف الفلسطينيين وجلب الماء له، ثم قام داود بصبه أمام الرب احتراماً لأرواح رجاله. وهكذا خرج الماء من بئر بيت لحم.
عندما أصبح حفيد داود رحبعام ملكًا، والذي أدى إلى انقسام المملكة بين يهوذا وبنيامين من جهة وبقية القبائل من جهة أخرى، بنى حصونًا في العديد من المدن الموجودة، إحداها كانت بيت لحم. لم تكن هذه مجرد تحسينات طفيفة؛ كما يقول سفر أخبار الأيام الثاني 11: 11، " وَشَدَّدَ الْحُصُونَ وَجَعَلَ فِيهَا قُوَّادًا وَخَزَائِنَ مَأْكَل وَزَيْتٍ وَخَمْرٍ". وهكذا أصبحت بيت لحم حصنًا قويًا.
ولكن كل الحصون في اليهودية لم تكن قوية بما فيه الكفاية لتمنع بابل من غزو المملكة. وبعد بضع مئات السنين من التمرد التدريجي ضد الله، هزم البابليون شعب يهوذا وسُبي الكثير منهم، حيث ظلوا لعدة عقود. وفي غضون ذلك، خاف الباقون الذين بقوا في الأرض من انتقام بابل بعد أن قتل أحدهم الحاكم المعين من قبل البابليين ومن كان معه. وقرروا الفرار إلى مصر، ولكن قبل أن يذهبوا، توقفوا في قرية بالقرب من بيت لحم ليسألوا الرب من خلال النبي إرميا (إرميا 41: 17). وبعد أن أمرهم الله بعدم الذهاب إلى مصر، عصوا امر الله وذهبوا على أي حال، وبذلك جعلوا أنفسهم عرضة للهلاك. وهكذا، بالقرب من بيت لحم، تمرد الناس على الله.
عندما سُمح لمجموعة من المسبيين بالعودة من بابل، حرص نحميا على تسمية مجموعات مختلفة من الناس الذين عادوا إلى ديارهم. ومن بين هؤلاء الذين عادوا "رجال بيت لحم" (نحميا 7: 26). وهكذا عاد سكان بيت لحم، فظهرت رحمة الله حتى في الحكم، وفي الظروف لتحقيق نبوءة كان ميخا قد تنبأ بها (ميخا مختلف عن الذي ذكرناه سابقًا) قبل مائتي عام من عودة المسبيين.
كانت هذه النبوة خاصة ببيت لحم: " «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ».. [...] وَيَقِفُ وَيَرْعَى بِقُدْرَةِ الرَّبِّ، بِعَظَمَةِ اسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَيَثْبُتُونَ. لأَنَّهُ الآنَ يَتَعَظَّمُ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. وَيَكُونُ هذَا سَلاَمًا." (ميخا 5: 2، 4-5). وهكذا، كان من المقرر أن يخرج من بيت لحم ملك راعِ قوي يكون حصنًا قويًا ويضع حدًا للحرب والدمار ويجلب السلام.
وبعد أن مرت أربعمائة سنة منذ عودة المسبيين إلى يهوذا قبل أن تظهر مدينة بيت لحم مرة أخرى. يخبرنا لوقا أنه بما أن يوسف من نسل داود، فقد كانت بيت لحم في يهوذا هي وجهته هو ومريم عندما دعا الإمبراطور إلى إحصاء عدد السكان. وهناك ولدت مريم يسوع، وهناك زاره الرعاة، وهناك وجده المجوس من الشرق، وهناك انطلقت غيرة هيرودس، حيث أمر بقتل كل الصبيان من سن سنتين فما دون محاولاً قتله (لوقا 2 ومتى 2).
في الكتاب المقدس، تظهر بيت لحم كصورة مصغرة لكل ما هو خاطئ في العالم نتيجة للسقوط، ومن التمرد إلى الاستعادة، تحكي قصة العلاقة بين الإنسان والله. تبدأ كمكان للموت، والخيانة، والإهمال، والحرب، والسبي، والخوف، والتمرد، والطمع، والقتل. لكنها أيضًا صورة مصغرة لكل الوعود التي هي عكس السقوط والتي تحققت في الموعود، يسوع. من بيت الخبز، جاء خبز الحياة. من المدينة ذات البئر المرغوب، جاء الماء الحي. من مسقط رأس المحاربين جاء المنتصر العظيم. من منزل الملك الراعي جاء ملك الملوك الذي هو راعينا الصالح. من القلعة القوية جاءت أقوى قلعة على الإطلاق. بدلاً من الكاهن غير الأمين جاء رئيس الكهنة الأعظم، الأمين والصادق. بدلاً من الزوج غير الحامي جاء العريس، الحامي والمحب.
بفضل يسوع لن يكون هناك قتل بعد الآن، ولا جشع، ولا تمرد، ولا خوف، ولا سبي، ولا حرب، ولا إهمال، ولا خيانة، ولا موت. بفضله، بدأت عملية عكس السقوط وسوف تكتمل يوماً ما بشكل كامل. لقد عاش المولود في بيت لحم الحياة المثالية التي لم يستطع أحد آخر أن يعيشها؛ لقد كسر اللعنة؛ لقد هزم العدو؛ لقد غلب الموت. من بيت لحم جاء مخلص العالم.
وهذا، أصدقائي، يجعل عيد الميلاد مجيدًا جدًا!
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ميار مسلّم. تعديل من قبل حنين باشا.
This post was first published in 2021. To see the original English version, click here.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2021. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.