عندما تقرأ أو تسمع رواية أو بعض أحداث تاريخية، هل تتكون صور في ذهنك؟ هل تتخيل الأماكن والناس والأحداث التي يتم وصفها؟ إذا كنت تفعل هذا، لربما اختبرت الشعور الغريب الذي يأتي عندما تشاهد فيلم مبني على كتاب قرأته وتجد أنه لا يشبه إطلاقاً ما تخيلته. عندما كنت أصغر في العمر، قرأت سلسلة من الكتب عنوانها "ماندي" لشخصية تدعى "ماندي شاو". أحببت هذه السلسلة وكان لدي دائماً صورة معينة في ذهني لشكل بيت "ماندي شاو". بعد عدة سنوات، تم إنتاج فيلم لهذه السلسلة، ولكن كان مربكاً بالنسبة لي، حيث أن منزل الشخصية لم يكن يشبه الصورة التي بنيتها في ذهني. هذا الأمر يمكن أيضاً أن يحدث معنا عندما نقرأ الكتاب المقدس. ننمو ونحن نسمع قصص الكتاب المقدس بشكل متكرر، ونشكل صور في ذهننا للأحداث. لكن أحياناً، عندما نقرأ القصة بأنفسنا من الكتاب المقدس (بدلاً من سماعها)، نجد أن ما بنيناه في ذهننا، لا يطابق ما يصفه النص الكتابي.
وهذا ما حدث معي عندما قرأت خروج الإصحاح الثالث عن العليقة المشتعلة. هذا حدث مألوف للكثيرين. الله تكلم مع موسى من عليقة تحترق ولكن ليست متآكلة، وقال له أن يعود إلى أرض مصر ويُخرج شعب إسرائيل من عبوديتهم.
في ذهني، هكذا كانت الأحداث:
موسى خارجاً إلى البرية مع بعض الحيوانات، بدون أي شخص حوله، وفجأة يسمع شخص ينادي عليه بإسمه. يلتفت للنظر إلى مصدر الصوت ويندهش بأنه لا يرى شخص بل عليقة مشتعلة. يشاهدها للحظة و يرى أنه بالرغم من النيران، إلا أنها ليست متآكلة. يسمع الصوت مرة أخرى، وبعد ما يمشي عدة خطوات، يُطلب منه أن يخلع نعليه لأنه على أرض مقدسة.
قد يبدو ذلك وصف صحيح. لكن في يوم من الأيام كنت أقرأ خروج الإصحاح الثالث بتركيز وتمعن، أدركت أن كل التفاصيل التي كانت في ذهني خاطئة! لاحظ أن في مخيلتي، موسى سمع صوتاً قبل أن يرى شيئاً. دائماً كنت أتخيل أن الله نادى موسى أولاً، و بعدها موسى ذهب إلى العليقة. لكن أنظروا ماذا يروي الكتاب المقدس بالفعل:
وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ.وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ.فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟»فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!» فَقَالَ: «هأَنَذَا».فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ». (خروج 3: 1-5)
آية 2 توضح لنا أن ملاك الرب ظهر لموسى من عليقة مشتعلة، لكن موسى لم يكن يعلم ذلك بعد. هو في البرية، لاحظ شيئا خارج عن المألوف، وأول شيء فعله هو النظر. كل ما يعلمه حتى هذه اللحظة هو أن العليقة مشتعلة. إذن، موسى يرى العليقة، بعدها، إذ أُثير فضوله، قرر أن يتحرك و يتحقق من الأمر. لاحظ أنه يقول، "أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟" (آية 3). العليقة ليست مباشرة في طريقه. كان عليه أن يغير مساره لينظر العليقة. و لاحظ أنه لم يسمع شيئا حتى الأن!
لنرى ماذا حدث بعد ذلك: "فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!» (آية 4) الكتاب المقدس لا يقول، "ثم ناداه الله"، و كأنه ينقل تسلسل بسيط من الأحداث. إنه يقول بشكل محدد أن الله أظهر نفسه بعدما رأى فضول موسى. الله لم يتحدث إلا عندما توقف موسى عما كان يفعله ومال لينظر. كان الله صامتاً حتى تقدم موسى نحو الإشارة التي أعطاها له.
بالتأكيد، يجب أن نكون دائماً حريصين ألا نأخذ النصوص الوصفية من الكتاب المقدس و نجعلها توجيهية (أي، ألا نأخذ نصوص ببساطة تصف ما حدث في موقف ما ونحاول أن نقول أن الأشياء يجب أو سوف تحدث دائما بنفس الطريقة في كل موقف)، لكنني أفكر أنه من المفيد أن نلاحظ تسلسل الأحداث: الله عمل، موسى استجاب، الله أظهر نفسه.
هناك أوقات أخرى في الكتاب المقدس حيث يتكلم الله أولا أو بشكل متزامن مع العمل، بدون أن يكون كلامه مبني على استجابة انسان (مثل دعوة أبرام في تكوين 12 أو الظهور لشاول على طريق دمشق في أعمال الرسل 9)، لكن في هذه الحالة، الله انتظر حتى بيّن موسى فضوله قبل أن يتواصل معه مباشرة. حقيقة أن الرب تصرف بهذه الطريقة لمرة واحدة، عليها أن تجعلنا نتوقف ونفكر أنه لربما يعمل هكذا مرة أخرى.
على سبيل المثال، فكر في كيف يتكلم الله معنا خلال النص الكتابي. ماذا لو أن الكتاب المقدس مثل عليقة مشتعلة؟ ماذا لو أن كلمة الله الحية والفعالة، تتطلب منا أن نبتعد عن انشغالاتنا اليومية ونميل إليها قبل أن يكشف الله عن نفسه لنا؟ بكلمات أخرى، ماذا لو أن الله يتكلم مع هؤلاء الذين يعطون انتباهاً؟ نحن نعلم أن الكتاب المقدس يتكون من كلمات الله ذاتها، لكن إن كنا لا ندرس نهائياً تلك الكلمات، ولا حتى نقرأها، إذن لماذا نتفاجأ عندما نشعر أن الله صامت.
بالمناسبة، تجربتي مع خروج 3 توضح هذه النقطة. لقد عرفت قصة العليقة المشتعلة، لكن لم أرى ما قالته بالفعل إلا بعدما ملت لِأَنظُرَ و بحثت. فقط بعد الانتباه كنت قادرة على فهم دقيق لما حدث فعلاً. هذا الإدراك استخدمه الروح القدس معي لكي أفهم أهمية النظر بتمعن لما يحدث حولي ولما يقوله الله في كلمته، إن كنت أتوقع السماع منه.
إذن، كما أُذكر نفسي، اسمح لي بتشجيعك أن تميل لِتَنظُرَ. كن متيقظاً لما يمكن أن يعلمك إياه الله إن كنت تأخذ وقتك بالبحث. لأنك لن تعرف أبداً إن كان ينتظرك لأخذ الخطوة اتجاهه قبل أن يظهر نفسه لك.
كتب من قبل أوليفيا باشا. ترجم من قبل ليلى عطالله. تعديل من قبل حنين باشا.
This post was first published in 2021. To see the original English version, click here.
هذا المنشور تم نشره أولا في 2021. لرؤية النسخة الإنجليزية الأصلية إضغط هنا.
المصدرMichele Ingram. سمح بالنشر.
